تمر الشعوب التي أحدثت نهضة في حياة بلدانها بمراحل شابها التراجع، التقدم، الركود والازدهار إلا أنها لم تستسلم لتك العثرات، تأخذ بالأسباب التي تؤدي في نهاية المطاف إلى الرقي والتطور المفضي للاستقرار الذي يمكن السلطة من قرارها السياسي، وبناء منظومة حكم وطنية واعية، منسجمة تفكر وتعمل بشكل جماعي دون انتهازية، انحياز، شغب أو مشاكسة ..
حاولت اليمن العبور من على جسر الثورة الأم 1962م التي جاءت على إثر تركة ثقيلة من التخلف والجمود وتغليب المصالح الشخصية على مصلحة الوطن، بل غياب فهم المعنى الحقيقي للوطن للأمن العام للمصلحة العامة للاقتصاد الوطني، عانت من جمود مفاهيمي ممتد منذ مراحل حكم الإمامة الذي تلاه عشوائية حكم القبيلة، التي لم تبن دولة ولم تتح الفرصة لعشاق الدولة أن يبنوها بمفاهيم عصرية تتسق مع وضع المجتمع وقدراته ومستواه الاقتصادية والتعليمية..
أفرزت منهجية ذلك الحكم ديمومة الصراعات، ونهب مقدرات الوطن، وبناء جيوش متنافرة في إطار الجيش الواحد، الحالة التي اشتكى وعانى منها الشهيد الراحل إبراهيم الحمدي، وحاول إصلاحها حينما وصل إلى السلطة وجد كل قبيلة وشخصية ثقيلة لها ألويتها الخاصة بها، تواليها تأتمر بأمرها تنهب مخصصاتها وتنفر عند النفير لصالحا، الظاهرة التي أشعلت فتيل الصراع بعد الثورة بين قادة معركة حصار السبعين، في الحديدة وصنعاء وعرفت بعدها بأحداث أغسطس 68 وبين الفلول التي هربت من المعركة ثم عادت لتقاسم كعكة النصر دون حياء..
استمرت أسباب عشوائية القوة والانقسامات في عهد علي صالح، الذي أدرك أن الجيش والأمن المخترق من قبل أطراف سياسية وقبلية لن يحمي سلطته ولن يستمر دون انقلابات وتمردات فقام ببناء جيش موازي أطلق عليه بالحرس الجمهوري الذي بدوره ترك شرف الحراسة الوطنية خان الجمهورية وكل المبادئ الثورية المرجوة..
ما تعيشه اليمن اليوم هي النتيجة الحتمية والمتوقعة للفوضى السياسية والاقتصادية التي عاشتها في تلك الحِقب، وعي الحاكم وتأهيله هو المفتاح والسر في بناء الدولة وتأسيس النظام، ما تحاوله الرئاسة اليمنية المؤهلة اليوم من تجاوز لعثرات الماضي مستفيدة من خبرة عملها مع عبر الأنظمة السابقة وكشاهدة على التحولات كلها..
تحاول قيادة المرحلة في خضم أمواج سياسية داخلية وخارجية متلاطمة مهددة بمزيد من الغرق، تحاول توحيد الجيش تحت قيادة وزارة الدفاع، وبناء الثقة بين القادة وخوض المعركة الفاصلة لتحرير صنعاء من الاحتلالي السلالي الفارسي واستعادة الوضع الذي سيضمن عيش الجميع وحقوقه السياسية، الاقتصادية والاجتماعية ..
تمثيل القيادة السياسية الصائبة لليمن أمام العالم في الزمن وطرح قضيته في مؤتمراته الدولية والإقليمية، بوعي وحنكة سياسية عالية، أمام ممثلي المجتمع الدولي وقادته الذي خُدع بالشعارات الحوثية، التي كانت قد حذرت من زيفها وغشها مسبقًا أي الرآسة اليمنية ذاتها، قبل وبعد مرحلتين من الحرب كانت ستكون الفاصلة في مسار التحرير لولا تدخل القوى المنزعجة من المشروع الحوثي اليوم، إيقاف اقتحام صنعاء التي كانت في مرمى مدفعية الجيش الوطني والوصول إلى ميناء الحديدة الذي كانت تفصلة عن المقاومة خمسة كيلو مترات..
وإن بدا الظهور النقدي شديدًا وقاسيًا أحيانًا من البعض للقيادة العليا برآسة الدكتور رشاد العليمي على إثر وجود بعض التباينات في تركيبتها، وبعض العثرات في طريق مهامها ورؤية بعض المتابعين للشئون السياسية فيها مؤشراً على مرحلة جديدة من الصراعات والتكتلات التي لن تحرر اليمن عن قريب..
إلا أن توحدها أي القيادة وإيمانها بفكرة واحدة وهي أولاً توحيد الصف الجمهوري، وضبط البوصلة صوب صنعاء ثانيًا إزالة الحركة الحوثية الإيرانية واستعادة الدولة تلك هي النوايا التي قد ترتب الأوراق لإدارة المعركة القادمة في ظل متغيرات دولية تنذر بتوجه دولي لمحاربة الميليشيات المتمردة المهددة للسلم والأمن العالميين في كل مكان..
ختامًا: من يريد أن يساهم في النهوض بوطنه وشعبه عليه أن يبدأ أولا بإصلاح نفسه والارتقاء بها، تغير الأوضاع يبدأ بتغيير النفوس والعقول التي أصابتها التجاذبات الخارجية بالتيهان وبالكثير من التشوّهات. مطلوب إحياء مفهوم تزكية النفس المحبة لذاتها وتحفيز الشعب اليمني للسعي نحو تحقيق مبادئ الكمال الوطني والإحسان المجتمعي، والإتقان في كل ما من شأنه إحياء الفهم الإلهي للدين والدولة والحياة، وفهم جوهر الدين المتمثل في المعاملة الحسنة بالعدل والتعايش دون تميز وخدمة الصالح العام، وترسيخ الحس الوطني. ولنا أن نتصور حجم التأثير الإيجابي الذي سيحدثه التطور المستمر والوعي المتنامي لأعداد متزايدة من المواطنين خدام الوطن..
-->