إعلان إيران: حسابات جديدة في معادلة النفوذ

د. فائزة عبدالرقيب
الجمعة ، ٠٤ ابريل ٢٠٢٥ الساعة ٠٩:٣٣ صباحاً

إعلان إيران عن سحب قواتها من اليمن ووقف دعمها للمليشيات الحوثية، كما نقلت صحيفة تلغراف، يثير تساؤلات جوهرية حول مدى جدية هذا القرار وحقيقته في ظل تاريخ طويل من التلاعب السياسي الذي تنتهجه طهران في المنطقة. فإيران التي استخدمت الجماعات المسلحة كأدوات لنفوذها الإقليمي لا تتخلى عن حلفائها بسهولة مما يجعل هذا الإعلان موضع شك وتحليل دقيق خاصة أنه يأتي في توقيت يشهد تغيرات إقليمية ودولية متسارعة.

الولايات المتحدة باعتبارها اللاعب الأكثر تأثيرًا في المشهد الإقليمي، تبدو طرفًا رئيسيًا في خلفية هذا الإعلان ضمن استراتيجيتها المستمرة لإدارة الصراع دون حله. فالأمر لا يتعلق فقط باليمن بل يرتبط برؤية اوسع تسعى من خلالها واشنطن إلى إبقاء إيران كأداة توظيف استراتيجي يتم تفعيلها عند الحاجة وكبحها عند الضرورة حيث يظهر ذلك جليًا في الطريقة التي تعاملت بها طهران مع أذرعها الإقليمية في العراق وسوريا ولبنان واليمن فهي لم تتردد في إعادة تموضعها وفقًا لمصالحها كما حدث مع تراجع دعمها لنظام الأسد تدريجيًا وإعادة صياغة دور حزب الله في لبنان. هذا النهج البراغماتي يجعل من المحتمل أن يكون موقفها من الحوثيين خاضعًا لنفس القواعد، حيث لا يعني الإعلان عن وقف الدعم نهاية العلاقة بل ربما يكون مجرد إعادة تشكيلها بطرق مختلفة تتناسب مع المستجدات.

في ظل هذا السياق، لا يمكن استبعاد أن يكون لهذا القرار ابعاد تتجاوز اليمن، إذ يرتبط بشكل غير مباشر بطبيعة العلاقة الثلاثية بين واشنطن وإسرائيل وإيران. فعلى الرغم من التصعيد العلني بين تل أبيب وطهران، إلا أن الواقع يكشف عن خيوط خفية من التنسيق والتخادم السياسي في ظل رعاية أمريكية تحرص على ابقاء كل طرف في موقع يخدم استراتيجيتها. إيران، من جهتها، تستفيد من وجود إسرائيل كعدو معلن لتبرير تدخلاتها الإقليمية، فيما توظف إسرائيل "التهديد الإيراني" لحشد الدعم الدولي وتعزيز تطبيع علاقاتها مع الدول العربية. هذا التقاطع في المصالح يطرح تساؤلات حول مدى حقيقة الصراع بين الطرفين، ومدى ارتباط القرارات الإيرانية الأخيرة بحسابات تخدم هذه المعادلة المعقدة.

كما ان بطء تنفيذ إيران لقرار الانسحاب من اليمن قد يكون مؤشرًا على أن الحل السياسي لا يزال بعيدًا وأن الأمر ليس مجرد تراجع أمام الضغوط الدولية بل محاولة لإعادة ترتيب الأوراق بما يحقق مكاسب سياسية واقتصادية لطهران. من المحتمل أن يكون جزءًا من تفاهمات خلف الكواليس مع دول اقليمية مقابل ضمانات معينة أو ربما يأتي كخطوة مدروسة تهدف إلى إرباك النفوذ التركي المتزايد في المنطقة.

اما على الصعيد اليمني، تبدو هذه اللحظة حاسمة بالنسبة للمجلس الرئاسي والحكومة الشرعية حيث يمثل هذا التحول الإقليمي فرصة نادرة يجب استغلالها. أي تأخير في التحرك العسكري والدبلوماسي قد يؤدي إلى فقدان هذه اللحظة التي قد لا تتكرر. وبدلًا من انتظار اكتمال التفاهمات الدولية، فإن المنطق يفرض على الشرعية اليمنية أن تبادر إلى التنسيق مع الحلفاء وفتح جبهات متعددة ضد الحوثيين مع ضرورة قراءة التغيرات المستقبلية في شكل الدعم الإيراني الذي لن يتوقف بالكامل بل قد يتحول إلى أدوات وأشكال مختلفة تتطلب استراتيجيات مواجهة أكثر حسمًا ودقة.

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي