منعطف في العلاقات الدولية أقل ما يمكن وصفه بأنه دراماتيكي، غير تقليدي، وليس مألوف، لاهو بديكتاتوية الجنون نحو الحروب، ولا يؤمن بمنطق وفلسفة الدبلوماسية التقليدية التي توجهها الإيديلوجيا أكثر منها المصالح.
في هذا السياق، تمرر الولايات المتحدة صفقة السلام بين أوكرانيا وروسيا بمنطق الابتزاز والضحية، فهي من جهة تحاول الإجهاز على زيلنسكي وشل ممانعته، كعقبة كأداء للسلام في خيارات التفاوض، وسقفها لصالح روسيا، وأخرى دعم للمملكة لتمرير الصفقة كأمر واقع، وبدون صخب يذكر.
صفقة تجارية أكثر منها سياسية تقدمها إدارة ترامب لبوتين روسيا القوي، مقابل صفقات بعضها متعلق بأوروبا، وملف الطاقة، والتجارة، والحماية، كنوع من إعادة النظر في تكاليف الحماية، والتحالفات وفق منطق المصالح الحاد، دونما اعتبارات لمنطق القيم المشتركة في النادي الديمقراطي، الذي امتد لعقود بين شركاء ضفتي الأطلسي.
هي إذا براجماتية تجارية غير مسبوقة في السياسة الأمريكية حتى مع ولي العهد السعودي، الذي يحاكيها بعمق، ويتفاعل معها بنضج، بما يعزز موقع المملكة، ويخدم مصالحها كلاعب دولي قوي، ومتفهم في ذات الوقت لنفسية صانع القرار الأمريكي، وأولوياته، وأسلوب وأدوات سياساته.
كقيادة قوية ومتمرسة في الرياض متفهمة لمنطق التفكير الأمريكي الجديد، وتحاكيه بإيجابية تحرص إدارة ترامب على إنجاح جهود القيادة السعودية في ملف الصراع الروسي الأوكراني بدون عقبات سقف زيلنسكي، ولاءات ثوابته، وفريقه الداعم لتوجهاته.
هي إذا منهجية ترامبية غير مألوفة في تسوية ملف الصراع، ووقف الحرب مع روسيا، لذا فتح ترامب النار على زيلنسكي واصفا إياه بإنه ديكتاتور مفلس، وحتى غير مهم، وأكثر أنه وراء دمار أوكرانيا، وتداعيات ضحايا الحرب في سقوط مئات الآلاف، وتدمير بنيتها العسكرية والاقتصادية.
وفي الاتجاه الآخر قدم اعترافا ليس مجانيا طبعا، بأن قيصر روسيا قوي بما فيه الكفاية للانتصار في الحرب، وهي رسالة للأتحاد الأوروبي، كما هي لإدارة زيلنسكي، وما على هذا الأخير سوى الرضوخ لمنطق الحل الأمريكي، وتقديم تنازلات لنجاح مفاوضات الرياض، أو النهاية الحتمية لبقائه في السلطة، إذ لن يسعفه حلفائه الأوربيين الغارقين في مشاكل اقتصادية، والمنكشفين دفاعيا أمام واقعية السياسة الجديدة لإدارة ترامب.
كما ترى إدارة ترامب، طعنا في حاصرة زيلنسكي، ونزع أنياب تشبثه بحل يحفظ ماء وجهه هي المقاربة الواقعية لتحريك عملية سلمية ناجحة، تفضي للسلام برعية ولي العهد السعودي.
الأنقلاب الكبير في السياسة، الذي ينتهجه ترامب وإدارته، يقدمه كامبراطور قوي في العالم، قادر على إحداث فارق نوعي في السياسة الدولية بمنطق الحساب التجاري، وصفقات التحالفات مع القادة الأقوياء، ويقدم سمو الأمير ولي العهد محمد بن سلمان، كأقوى ملك مستقبلي، مجدد! يعتلي العرش السعودي، وفي تأريخ الدولة السعودية.
لأول مرة يخرج قائد عربي غير تقليدي في منهجية التعامل مع القوى الدولية الفاعلة، وبمنهج المصلحة الوطنية ومتغيرات كثافتها، يجيد اللعب مع الأصدقاء والأعداء، بمنطق الثقة بالذات، وحسن تدبير مكمنات الدولة، وموقعها في جغرافية الوطن العربية لبلوغ أهدافها في المسرح الإقليمي والدولي.
بمثل هذه القيادة السعودية تعقد الأمة آمالا كبيرة، المهم أن تلتف الأمة العربية والإسلامية خلف مشروعه الطموح والتحرري للخروج من واقع الضعف والتبعية وذيل القائمة.
-->