الضغوط الاقتصادية .. والسلوكيات العدائية ..!!

ابراهيم ناصر الجرافي
الجمعة ، ٠٣ مايو ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٥٦ مساءً

أكدت التجارب والأحداث التاريخية والبحوث العلمية والاقتصادية بأن هناك علاقة وثيقة وقوية بين تدهور الأوضاع الاقتصادية وبين تفشي وانتشار السلوكيات السلبية والعدائية على كل المستويات الفردية والجماعية والشعبية ، فكلما تعرض أفراد المجتمع للضغوط الاقتصادية نتيجة فشل سياسات السلطات الحاكمة في المجال الاقتصادي كلما كانوا أكثر سلبية وعدوانية وكلما انهارت منظومة المجتمع الاخلاقية والسلوكية ، فالظروف الاقتصادية الصعبة والقاسية هي من تدفع بالكثير من الأفراد إلى النزوع نحو الأعمال الإجرامية والسلوكيات السلبية ، فالبطون الجائعة قد تدفع أصحابها إلى الولوج إلى عالم الإجرام والرذيلة ، فالمجتمعات الفقيرة تكون فيها نسبة الجريمة أكثر منها في المجتمعات غير الفقيرة ، من أجل ذلك قال الإمام على رضي الله عنه ( لو كان الفقر رجلا لقتلته ) ، فالفقر يدفع الأفراد والمجتمعات إلى السلبية والرذيلة والانهيار القيمي والاخلاقي ، فصاحب البطن الخاوية إذا كان قوياً قد يقتل ويسرق وينهب لإشباع بطنه الجائعة ، وإذا كان ضعيفاً قد يبيع أغلى ما يملك في سبيل إشباع جوعه وإنقاذ نفسه من الموت والهلاك ..!! 

 

وللأسف الشديد لا يشعر الكثير من الأغنياء والمترفين والحكام أصحاب الكروش المنتفخة والبطون الممتلئة بما يفعله الفقر والجوع بغيرهم من أفراد المجتمع ، وكيف لواعظ أو خطيب وجنتاه محمرة بالدماء نتيجة الإفراط في التغذية وشرب العسل وأكل ما لذ وطاب ، أن يشعر بما يعانيه أصحاب البطون الخاوية والأجساد الهزيلة المتهالكة والنحيلة ، فالمسألة هنا مسألة إحساس وشعور وليست مسألة تنظير وخطابة وفصاحة ، من أجل ذلك أوقف خليفة المسلمين أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه بعض الحدود والجبايات خلال السنوات التي تعرض لها الناس للقحط والجوع ، في مشهد إنساني عظيم يتجلى فيه عظمة القيادة ومدى شعورها وإحساسها بمعاناة وظروف أفراد الشعب ، بعكس الكثير من القيادات والسلطات التعسفية والغير إنسانية في كل زمان ومكان التي لم تراعي الظروف والأحوال الاقتصادية والمعيشية التي يعيشها أفراد شعوبها ، والتي لم تتوقف عن فرض المزيد من والجبايات والاتاوات عليهم دون مراعاة لأوضاعهم المعيشية المتردية ، والتي لم تتردد عن أخذ لقمة العيش من أفواههم وأفواه أطفالهم ، في صورة تعكس وحشية وطغيان تلك القيادات والسلطات الحاكمة ..!! 

 

وإذا كانت الضغوط والظروف الاقتصادية المتردية تدفع بالعديد من أفراد الشعوب إلى اللجوء لممارسة بعض السلوكيات السلبية والعدائية لتوفير لقمة العيش لهم ولمن يعولونهم ، فإن الطغيان والاستبداد السياسي في مثل هذه الظروف له دور كبير في توسع دائرة السلوكيات السلبية وتنوعها ، فالضغوط الاقتصادية والاستبداد السياسي ظلمات بعضها فوق بعض ، وإجتماعهما معاً يساهم بشكل كبير في توسع دائرة الاحتقان والغضب والسخط الشعبي ، فكم سرد لنا التاريخ قصص الكثير من الحكام والسلاطين الذين أسقطتهم شعوبهم من عروشهم وهيلمانهم نتيجة تجاهلهم لأحوالها وأوضاعها الاقتصادية والمعيشية المتردية ، فالشعوب قد تصبر وتتحمل كل شيء ما عدا الجوع ( فالجوع كافر ) ، فإذا وصلت الحالة إلى مرحلة الجوع والتجويع ، فإن مصير السلطات الحاكمة التي تقف عاجزة وهي تشاهد أفراد شعوبها يعانون الجوع والفقر هو السقوط ، والحال أسوأ لتلك السلطات الحاكمة التي تقف متفرجة ولا تحرك ساكناً ولا تقوم بأي إجراءات قد تخفف الجوع عن أفراد شعوبها ، والحال الكارثي والنهاية المأساوية هي لتلك السلطات الحاكمة التي تساهم بسياساتها الاقتصادية الاستبدادية والجبائية في زيادة الجوع والفقر بين أفراد شعوبها ..!!

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي