من المحير بالنسبة لي أننا لم نجد الطريق بعد!!!!!

برفيسور: أيوب الحمادي
الخميس ، ٠٩ مايو ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٢٠ صباحاً

لماذا تمكن الصينيون والهنود والكوريون وحتى الاتراك من أن يصبحوا قادة في الإنتاج الصناعي والمعرفي والأبحاث، بينما يواصل العرب عيشهم عن طريق اهدار ثروات الاجيال وانفاقها في الترفيه وحفر الحفر لبعضهم؟ ربما كان الاجدر للعرب أن لا يدفعوا مئات الملايين من الرواتب السنوية لحفنة من لاعبي كرة القدم، وانما لجيش من المهندسين والمبدعين والعلماء من الخارج حتى لانظل دون قرار ولاسيادة ولا اثر وحتى لا تتخطفنا بقية الامم. فمقابل راتب سنوي قدره ٥٠٠ الف دولار الى مليون دولار، يمكنك الحصول على افضل برفيسور في الغرب يحدث ثورة معرفية لاتتوقف.

بشكل مستمر تطلع امامي اخبار وارقام، في محتوها ان مشاريعنا محزنة ذات قشور لاتبني امة ولايمكن ندخل بذلك المستقبل، وفي الطرف الاخر من الكوكب تطلع لي اخبار مثل ان شركة سامسونج الكورية سوف تبني اكبر مصانع للرقائق الالكترونية في سيول، وبمبلغ يصل الى ٢٢٨ مليار دولار. مشروع العرب الجزء الثاني لصعيدي في الجامعة الامريكية وذلك مستقبلنا ويعكس ضعف عقولنا وكيف نتصور المستقبل حتى وان كان مجرد هدرة. المشروع الكوري يعكس تفوق للعقل الكوري، ورقم يوضح توجه وقوة وقدرة المجتمع. مشروع العاصمة سيول يعالج مشاكل العصر من بطالة ويفجر طاقات المجتمع في المعرفة والانفتاح والمنافسة والانتاج، ومشاريع منطقتنا العربية من مدن ترفيه وحفلات يقود إلى العكس ويقول اننا شعوب حق طبل ومزمار وهدرة. هنا نشاهد الفرق في نمط التخطيط بين سلطات تعمل في ادارة الشأن العام وبين توجهين.

اليوم نحن لانفتقر في منطقتنا العربية لعقول وقدرات بحيث نقول ذلك قدرنا، لكن انعدام الرؤية والتسلط ودفع مجتمع الى رحلة الماضي او الى حفلات الزار والرقص هم المشكلة، احتمال الماضي كونه المكان الذي لاينافسنا احد عليه، فنشعر بنوع من الاهمية بداخله واننا شيء يذكر. كل ذلك هو ترجمة الفشل في واقعنا بفهم لغة العصر واداوته، ترجمة حرفية للطيش و لتسلط الجهل على مقدرات المجتمع وبرمجته بنظام غير ملائم. لذا ليس معجزة او طلاسم أن نستنبط محطات نهاية الرحلة لابنائنا وبناتنا مستقبلا، فهن محطات تكتنفها الصراع على لقمة العيش اي الفتات، ومحطات تفقد السيادة على اوطاننا، ومحطات حروب قادمة وهيمنة الغير علينا، ومحطات الفقر والحاجة والتواجد في الاشارات والارصفة والاسواق لاستعطاف من لديه قدرة، ومحطات الانتظار لعطف العالم علينا، ومحطات التباكي أن العالم لم يمنعنا أن ننهش بعضنا ببعض وغيره.

اليوم غيرنا يبنون مصانع ومدن وجامعات على اعلى المستويات، تمكن ابنائهم وبناتهم من السيطرة على المعرفة وادواتها والاسواق ومنتجاتها ونحن عكسهم. غيرنا يبنون مدن منظمة يطلق عليها مدن الجيل الرابع ونحن عشوائيات فوضى تجعل الحديث عن المستقبل نكتة، وهات فوق ذلك ياهدرة وفلسفة. وغيرنا يبنون مؤاني ومعاهد واسواق استقطاب لانهم يتجهون الى المستقبل ونحن عكس ذلك، فطبيعي يتحسن حالهم كل يوم افضل فافضل ويورثون مشاريعهم لاجيال قادمة، ونحن نسقط في القعر اكثر فاكثر ونعيش الوهم ان العالم يستهدفنا ونحن من يحرق المجتمع وحتى الطبق المتعلمة شاغلة حالها بنقاشات غريبة هل يوجد خالق أو لا أو نقاشات كرة القدم وهات من هدرة.

اليوم انظروا حولكم، فالكل يتغير الى الافضل، ولسوف تجدون بجوارنا من كان افقر منا يتطور، فاثيوبيا ذو العرقيات واللغات والديانات المختلفة تخطط لبناء اكبر مطار في افريقيا خلال السنوات القادمة ليصل الى ١٢٠ مليون راكب سنويا ونحن في اليمن لم نبني فرزت باصات سع الخلق، بمعنى غيرنا امتلكوا مشروع دولة جامعة وفريق اداري واستراتيجيات، وهم ينفذون ذلك خطوة خطوة، وهذا فقط مشروع واحد بسيط لديهم. نحن شاغلين انفسنا بالتسلط وبتقاسم مقدرات بلد يستجدي الغذاء والدواء وغيره من الهدرة والتي لن تفيدنا بصناعة كرامة امام ايجاد رغيف خبز واحد لفقير وتركنا المهم والاهم، والسبب اننا اواني فارغة تحدث فقط ضجيج ولانمتلك شيء ومن حمل شهادة مزورة صار مسؤول ودكتور. اليوم نعمم الفشل و الجهل والهدرة كثقافة ونستبسل لنوأصل ذلك في الجينات اليمنية للحقب القادمة.

اليوم من كان افقر منا مثل اثيوبيا تخطط لتنتج من الكهرباء مايتجاوز حاجز ٣٠ جيجاوات اي ٣٠ ألف ميجاوات، وهذا مشروع آخر لهم، ونحن لم نمتلك حتى منظومة كهرباء لمدينة صغيرة سع البشر، ولا ننظر لذلك وانما ان حل مشاكلنا نشتري شقق وبيوت خارج اليمن وهدرة، لانه لم نتعلم بعد معنى تنمية مجتمع.

اعرف ان كلامي مزعج، لكن غيرنا ليس افضل منا، لكنهم تعلموا. فاثيوبيا قبل ٢٣ سنة كانت افقر من اليمن ب ٤ مرات، اي بواقع ٧ مليار دولار دخل قومي للبلاد و ٤٠ مليون فقير ومجاعات وبلد ممزق وعرقيات مختلفة جمعها التنمية كمشروع شامل مثل المغناطيس، واليوم دخلها القومي ١١١ مليار دولار، اي افضل من اليمن ب ٥ مرات، تضاعف ١٦ مرة عن قبل ٢٣ سنة، ونحن عكسهم لم نتعلم وفوق ذلك نمثل الفهم، وهات ياهدرة. اليوم تحقق اثيوبيا نمو اقتصادي سنوي اكثر من ٥ في المائة، وهذه نسبة عالية افضل من دول افريقيا المستقرة والتي لم تتمزق من قبل. هم نظروا إلى مشاكلهم وعملوا بادوات المعرفة والعلم، مما جعل معدل الفقر ينخفض في السنوات الاخيرة ٥٠ في المائة، بينما في اليمن بسبب امراضنا المذهبية والمناطقية والسياسية ارتفع المعدل الى ارقام فلكية وصار حال البلد مهددة بمجاعة وننتظر سلات الغذاء ونستجدي غيرنا لاننا شاغلين انفسنا ليس بحل مشاكلنا، وانما بناء مزارات للموالد وكثرة الهدرة. لم يفكر غيرنا بالحلول ببناء جوامع ومزارات وكنائس، وانما تنمية حقيقية واستقرار.

ومثال اخر من الطرف الاخر للكوكب كوريا كون ذكرتها في مستهل حديثي هنا، فقد انتقلت من مستوى الفقر في الفترة ١٩٥٠ الى ١٩٦٥ الى ما نشاهده اليوم من نتائج مبهرة كمعجزة للعقل التنموي، وذكرت مثال واحد ان مصنع واحد سوف يكلف ٢٢٨ مليار دولار يعني مدينة تقنية جديدة يفوق تصورها يعكس رحلة المجتمع. هذا كله في بلد لو كانت انتهجت نفس سلوكنا بكفاءات مثلنا لظلوا فقراء مثلنا ولقرون عدة. ولو نظرنا الى تلك الفترة واقصد قبل ٥٥ سنة في كوريا فقد كان الدخل القومي لمصر واقول مصر مثلا اعلى من كوريا الجنوبية بفارق ١٠٠ الى ٢٠٠ مليون دولار بمعنى بحدود ٣ مليار و ٨٠٠ مليون دولار، واليوم الاستقرار والعلم والتنمية جعل الدخل القومي الكوري في حدود ١٨٥٠ مليار دولار، وهذا اكبر من الدخل القومي السعودي والاماراتي وغيرهم الذين امتلكوا ثروات عكس كوريا. هذا اكبر من الدخل القومي المصري مثلا بفارق ١٤٣٠ مليار دولار، واكبر من الدخل القومي اليمني ب ١٨٢٦ مليار دولار مع العلم ان كوريا اصغر وافقر من مصر واليمن من حيث الموارد الطبيعية، وخرجت من حرب دمرت بها كل شيء. وايضا حتى الدعم الخارجي الامريكي لمصر كان اكبر من الدعم لكوريا في عقود مابعد الحرب الاهلية الكورية لكن كوريا استغلت ذلك في احداث تنمية، واما نحن لا المال الوطني تركناه ينمو ولا الموارد الداخلية وسعناها، ولا الدعم الخارجي استفدنا منه في التنمية.

ومختصر الموضوع نحن نمارس العبث، واول ما نصحى سوف نجد الفجوة بيننا وبين غيرنا في المنطقة المجاورة كبيرة، لن نقدر على تقليصها بمجتمع منهك اهدر قوته ونشاطه وشبابه بصراع لا يوفر قطعة خبز، مما يحولنا بشكل طبيعي الى مجتمع عالة، وفي احسن الاحوال شقاة باليومية عند الغير في بلدنا، ومقابل سلة غذاء او اوهام لن تتحقق. لذلك اول خطوة لحل مشاكلنا وقف الحرب بشكل حقيقي، وترك ثقافة السلاح والتسلط وترك عجلة قيادة البلد وادارة الشأن العام لمن يفهم حسب برامج نقيمها ونحاسب اصحابها بدل العك، ومشاريع الحشود والارتجال والارتهان و المزارات او غيرها، التي عفى عنها الزمن. اليوم كنا نريد نجهز ابنائنا وبناتنا ننافس بهم بالمعرفة والابداع والانتاج بين الامم.

 

الحجر الصحفي في زمن الحوثي