آزال الصباري / الصداقة والمرأة

كتبت
الأحد ، ٢٥ يوليو ٢٠٢١ الساعة ٠٨:٤٠ صباحاً

هناك هجوم- أو لنسميه رأيًا مبالغًا فيه- فيما يتعلق بالمرأة اليمنية كصديقة لا تبعث للفخر بوفائها وإخلاصها، والحديث الذي قيل إنما هو رأي جاء نتيجة لشرخٍ أحدثته إحداهن في عاطفة أحدهم البارع في التوصيف والتصنيف والتحليق والتجديف في بحور السرد، وأزعمُ أنه قد قال ذلك وبقلبه كثيرٌ من الحزن أحدثته صديقته التي اختفت ، وحزنهُ وأشتدَّ وأشتدَّ حتى خانته أفكاره، وطفقتْ تخصفُُ من أحلامه المستحيلة، وجنت الأفكار ما جنته من عباراتٍ أستملحتها فشرعتها في حبر صاحبها وهي من الممنوعات التي لا تقبل الاجتهاد.

بسبب صديقته تلك جوزينا نحن بقساوته لوزرٍ لم نركتبه، وليس ذلك ما أوجعنا، فقد أعتدنا أن تذهب به اللغة مذهبها وتسحرهُ بسحرها فيكتب لنا وهو غارقٌ في حلاوتها بعضا مما يُستغربُ ويُستعجبُ، إن ما أوجعنا وأحزننا هو ما أحدثته سطوره من زهورٍ وغرورٍ في هواجس الذكور،وشرعوا يستهترون بنا، ويهيبون بأنفسهم،يضعون من مكانتنا ، ويرفعون ما يوافق أهواءهم، ويتسابقون في قدحنا بصفاتٍ هي الأدنى والأقل، وهي الأبعد عن طبيعتنا التي خُُلقنا عليها، أخذوا وبجهلٍ هو أقرب للتعصب يستأثرون لجنسهم بالصفات الحميدة، وينتقصون من وفاء وإخلاص المرأة مع غيرها.

لقد أغرتهم كلماته، دعونا نستبدل هاء الغائب باسمه ليصبح الحديث أكثر وضوحا، أغراهم المياحي – هذا الكاتب الساحر- بحديثه إذا لامس طباعهم واقترب من تعصبهم، وقرأتُ ما قرأته من تعليقاتهم المزعجة وإن كان البعض يتركها على سبيل النكتة والدعابة.

لن أذهب لكل تعليق لأعقبَ عليه فذلك أمرٌ مستحيلٌ وأن تيسرَ فسيكون إسهابا رتيبا، وتفصيلا لا داعٍ له، وربما تطفلا. سنتوقف مع مقتطفات من حديث المياحي ونعقب عليها، يقول المياحي: ” آمنت أن صداقة النساء زائفة ومؤقتة، لا تبذل جهدًا كبيرًا فيها، للإحتفاظ بها وتوثيقها، لا تستنزف طاقتك، فمهما كنت صادقًا ومتجردًا معها ستعتقد أن لك مطمح أخر في علاقتك بها وحرصك عليها. وبناء ع هذا الشعور ستظل تؤمن في باطنها أن كل ما تصنعه معها واجب عليك أو أنك مستفيد منها”.

ونقول: أولا، الصداقة هي علاقةٌ قائمةٌ على الإخلاص الوفاء والإيثار والتضحية والأخيرة أعلى مراتبها، وأين أنتم من تضحيات المرأة؟ ونحن هنا لا نستثني تضحيات رجال الرجال.

ثانيا، تُعرف الصداقة بتركيبتين الأولى بين جنسين مختلفين- ذكر وأنثى- والثانية بين أفراد الجنس الواحد-ذكر وذكر، أنثى وأنثى. وبالحديث عن الأولى، فتلك الصداقة غيرُ معترفٍ بها هنا في المجتمع الذي يعد كاتبنا ومتابعيه جزء ومكون من عاداته ومبادئه، والكل يرى بعينٍ لا يشوبها قذىً أن هذا المجتمع لم ولن يتصالح مع المفهوم العام الملم للصداقة ، نقول المفهوم العام ليتوافق الرد مع البدء، ذلك المفهوم للصداقة الذي يثمنُ الصديق كإنسان تكتمل به الحياة الناجحة، لا كنوع يشبع عواطف لحظية لا تسمن ولا تغني، لن يحدث ذلك يا محمد المياحي، وحتى ما زعمت به أن الرجل يحتفظ بصداقاته النسائية بعد الزواج، فذلك يحدث سرًّا لا جهرًا وما يحدث في السر أمرٌ مشكوك فيه، والشكُّ يدمر بيته، والبيت الأساس وليس غيره. لقد قلت في حديثك عن الرجل المتزوج حديثا:” في أيامه الأولى بعد الزواج، يختلس وقتًا معينًا ويذهب خارج المنزل بعيدًا، ليبعث برسائل لأصدقاءه وصديقاته ويطمئنهم أنه ما يزال جوارهم “

حسنا يا كاتبنا المبدع، لماذا قلت: يختلس؟ ولماذا خارج المنزل؟ لماذا لا يتحدث أمام زوجته؟ وهل يسمح المجتمع أن تختلس المرأة وقتا وتختفي بمكان لتحدث صديقًا قديمًا؟ هل سيستمرُ الزواج؟ هذا أمرٌ غيرُ مقبول ، غيرٌ مقبول حتى عند الهنود، حتى الرجل الذي يتحدث متسترا مع امرأة أخرى غير زوجته رجل ناقص وخائن في نظر زوجته والمجتمع، مهما كان منحها وأعطاها، ومهما كانت نوعية الصداقة التي يحافظ عليها، هو خائنٌ خائنٌ وإن إدعى النبوة، وبرأيي المرأة لا تشككُ بصداقات زوجها في نطاق العمل أو غيرها مادام لا يختلس وقتا ولا يهرب خارج البيت، ولن يزعجها ويشغل أفكارها إلا ما يحدث من خلف الكواليس.

وبما سبق وصلنا إلى جوهر حديثنا، الوضوح، والوضوح في الصداقات بين الجنسين أمرٌ مربكٌ مشكوكٌ بل مستحيل في مجتمع يمتلكُ تركيبةً ذكوريةً متسلطةً متحكمةً وتركيبةً أنثويةً ضعيفةً وخائفة.

المرأة بعد الزواج لا تحتفظ بأصدقاء العمل والدراسة لا سرًّا ولا جهرًا، ليس لأنها أقل وفاء وإخلاصا من الرجل ولكن لأنها الاحتفاظ بالأصدقاء جهرًا سيؤودي لصراع مرير يجعل منها محط الشتم واللعن من المجتمع ، وسيؤول بها الحال إلى خسائر يعلمها الجميع، حسنا لا أعتقد أن امرأةً قد تصارعت مع زوجها لأجل صديق، ذلك هراء.

وإن تحتفظ المرأة بصديق بصورة سرية، فإنها لا شك ستفقد ثقتها بنفسها، ستصبح متخبطة قلقة، مرتبكة، تقع في المصائب دوما، وسيلعنها المجتمع بصورة سرية وجهرية، وقد تهذب للهاوية، الهاوية أمرٌ سيحدث في نهايةالمطاف، لابد من ذلك. والرجل يقلقه ويربكه ويفزعه أن يكون لزوجته صداقات ما ظهر منها وما خفي فكل ما يسمى صداقة يؤوله لأفكار هابطة، وذلك أمر أكتسبه ولم يُخلق مصاحبا له.

وحين تستبعد المرأة هذين الاحتمالين فإنها امرأة تعيش حياة طبيعية ولا تعرض حياتها للخطر وكرامتها للإهانة، وهي امرأة تحترم مبادئ مجتمعها لاشك، تضع لها مكانة رفيعة وقيمة ثمينة، ويصفونها بذلك لأنها أكثر حرصا على بيتها، وتعلم أنها متزوجة من رجلٍ لا يقبل أن تحتفظ بأصدقائها بأي طريقة كانت، ولكنها لا تنسى أيضا، هي لا تملك سوى ألا تنسى.

وللحديث عن صداقة المرأة مع المرأة، الذي وجدتُ أن الكثير قد خلط بين طبيعة الصداقة بين التركيبتين وتحدث عن عدم وفاء المرأة لصديقتها وأن الرجل أكثر وفاء لصديقه وأكثر إخلاصا.

نقول أنه حتى صداقة المرأة بالمرأة يتحكم بها الرجل لا سيما الزوج وهذا حالات لن نعمم عليها رغم وجودها ولن ننساها لأنها جزء من الحديث، لا يخفى على بعضكم أن هناك من تنقطع عن أعز صديقاتها تلبية لرغبة زوجها في التسلط،غالبا ما يتستر ذلك التسلط تحت عباءة «الزوج خايف على زوجته، وبمرر المرأة بنصف عقل ويجب أن يفكر زوجها نيابة عن نصفها المفقود، وتظل طفلة بجسد امرأة حتى تشيب. تكتفي المرأة في هذه الحالة أن تحتفظ بأيامهما الأعظم والأجمل في زاوية من زوايا ذاكرتها وتختلس أوقاتا تختبئ تهمس لها في تلك الزاوية، لتعيش الذكرى فقط.

أما في الحديث عن المرأة التي تنجح في الحفاظ على صديقتها،فالمرأة مدرسة في الوفاء، ودروس في الإخلاص، ومعلمة يستقي الدهر منها القيم والمبادئ، وليس الوفاء والإخلاص والتفاني ببعيد على تلك التي تعزف عن الزواج بعد وفاة زوجها، وتفني- بكل الحب- زهرة عمرها في تربية أبناءها في حين يعجز الرجل عن الوفاء لشهر أو لأيام. فمن تتقن الوفاء هنا ومن تخلص هناك تتخذ الوفاء والإخلاص نهجا وتشريعا هنا وهناك وفي سائر الأزمنة.

وأقسم- وأني لفي فخرٍ وتيهٍ- أن لي صديقاتٍ لو وضع كلُّ أوفياء الدنيا بكفة وهن بكفة لكانت كفتهن الأكبر والأعظم والأفضل والأسمى، فاستغرب ممن يستهين بوفائنا وإخلاصنا وتفانينا.

 

*أديبة وكاتبة من اليمن

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي