ترامب بلغ به الغرور مدى لا يطاق ، وبلغ صلفه حدا لا يقبله عاقل مهما كانت قوة ترامب.
هذا الغرور وهذا الصلف يحزن الكثير ويخيف البعض ، ولكني أراه من منظوري الشخصي انه سيكون فيه خير لنا ولأمتنا ، فتهوره هذا واستهتاره بالعرب يجعل الضمير العربي يستيقظ ويحفز القادة لمواجهة هذه المخاطر التي تستهدف قهر قضية العرب الاولى ومحاولة طمس فلسطين بالسطو على ماتبقى منها وتهجير اهلها.
العرب قوة اقتصادية وبشرية لا يستهان بها ، وموقع استراتيجي يتحكم بأهم المضايق العالمية ويربط بين قارات العالم القديم الثلاث .
عندما توحدت كلمة العرب عام 73 صنعوا معجزة كبرى بهزيمة الجيش الذي كان يوهمنا انه لا يقهر وتم تحطيم خط بارليف بقيادة مصر العروبة ومؤازرة السعودية والدول العربية ، وركَّعوا وقهروا إسرائيل وحطموا كبرياء أمريكا في الوقت الذي كانت إسرائيل قبل حرب 6 اكتوبر تتبختر وتعتقد ان عبور خط برليف من سابع المستحيلات نظرا لعظمته وتحصيناته التي عمل فيها كل وسائل المنعة وكانت النفسية العربية محطمة بعد ان تلقى العرب هزائم متتالية بفعل الخيانات حتى ان البعض وصل إلى مرحلة اليأس والقنوط من ان كلمة العرب ممكن تتوحد وتنتصر على اسرائيل ، فكانت ارادة الجيش العربي المصري فوق كل تحصيناتهم ، ويقف خلف هذا النصر قيادات عربية صلبة في مقدمتهم الرئيس السادات والملك فيصل بن عبدالعزيز والرئيس الجزائري هواري بو مدين رحمة الله تغشاهم جميعا والتف حولهم كل العرب .
وما اشبه الليلة بالبارحة فها نحن نشاهد بداية تكوين توحد يفرضه الواقع وتوجيه الضرورة ، لمواجهة الصلف الترامبي الأمريكي الذي يتحدث بلغة القوة والقوة فقط بعيدا عن العدل والمنطق وحقوق الشعوب ، فهاهي المملكة العربية السعودية ترفض دعوة ترامب بتهجير ابناء غزة وتوطينهم خارج ارضهم ، وتعلنها صريحة ان قضية فلسطين قضية كل العرب ولا مهادنة ولا علاقات ولا تطبيع إلا بعد حل الدولتين حلا عادلا وإقامة دولة فلسطين على الارض الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية ، وكان ايضا موقف مصر الشجاع بالرد السريع على تصريحات الرئيس الأمريكي ورفض المساس بالقضية الفلسطينية بالأسلوب الهمجي الذي يريده ترامب ، ورفض قاطع لفكرة التهجير ، وتم إعداد خطة لاعادة بناء غزة دون تهجير ابنائها.
موقف مصر والسعودية يثبت ان هاتين الدولتين هما عماد هذه الامة وأنهما في المواقف الحاسمة لا يساومان ولا يفرطان أبدا رغم التشويه الذي ينالهما من قِبل المغرضين ، والبعض يقع تحت تأثير إعلام اعداء الامة فينساق خلفه من حيث لا يشعر بخطورة ذلك.
ولنا في التاريخ عبرة فمصر العروبة يتحطم على أعتابها اعداء الأمة مهما عظمت قوتهم فقد انهزم التتار على يد جيش معظمه من مصر بمعركة عين جالوت بقيادة قطز بعد ان كان يقال إذا قيل لك ان التتار هزموا فلا تصدق وهم من اسقط عاصمة الخلافة الاسلامية في بغداد فكانت هزيمتهم شر هزيمة على يد جيش مصر ، وانهزم الصليبيون على يد الجيش المصري بمعركة حطين بقيادة صلاح الدين الأيوبي ، وانهزم الاسرائيليون عام 67 على يد الجيش المصري ، ولذلك لا خوف ولا قلق من ترامب وتكبره ، طالما كلمتنا واحدة ومصر في المقدمة.
مواقفنا كعرب مع قضية فلسطين ومع كل من يقف مع قضيتنا ، وعلينا موآزة مصر والسعودية بمشاعرنا وبمواقفنا وبدعواتنا ، ولا نستهين أبدا بتأثير الكلمة مهما كان حجم قائلها ، لانها ترفع المعنويات وتضعف غطرسة الاعداء ، وتشعرهم انهم يواجهون الشعوب قبل القيادات.
قضيتنا عادلة فالعرب لم يعتدوا على احد ولكنهم يواجهون الاعتداءات التي تريد النيل منهم ومن حقوقهم وسيادتهم على ارضهم.
وتبقى فلسطين هي معيار الولاء والبراء ، نعادي من يعاديها ونحترم ونصادق من يومن بعدالة القضية الفلسطينية وحق اهلها بالعيش على ارضهم احرارا مثلهم مثل بقية الشعوب. واذا ارادت الشعوب الحية شيئاً عادلا لا تستطيع اي قوة قهرها ، وكفاح جنوب أفريقيا بقيادة مانديلا خير دليل ..
ولله در القائل/
إذا الشعب يوما اراد الحياة
فلا بد ان يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي
ولا بد للقيد أن ينكسر.
محمد الحميري
-->