من وحى العيش فى اليمن الحبيب 5

أشرف عقل
الخميس ، ١٣ فبراير ٢٠٢٥ الساعة ١٠:٠٠ مساءً

 

( ٥ - البن اليمنى ) .

* كان البن ومازال من المحاصيل النقدية العالمية ، وخاصة فى الدول التى تهتم بزراعته وتصديره مع بداية التاريخ الحديث ، وهو العصر الذى تم فيه اكتشاف شجرة البن وكيفية استعمالاته . ورغم اكتشاف اليمنيين للبن كمشروب منذ أكثر من ثمانية قرون ، إلا أن تاريخ إنتاجه وتصديره فى اليمن يعود إلى أوائل القرن الرابع عشر الميلادى . وكان لتجارة البن اليمنى شهرة عالمية فى القرنين ١٨ و ١٩ الميلادى وحتى بداية القرن العشرين ، نظرا لانتشار زراعته فى أقاليم اليمن وجباله .

* ويعد المزارع اليمنى أول من استزرع هذا المحصول وحوله إلى سلعة قابلة للتبادل التجارى ، واحتكر تجارته لأكثر من ثلاثة قرون ، ليصبح حاليا المشروب الثانى عالميا فى التبادل التجارى ، وذلك بعد الماء الذى هو سر الحياة . وخلال فترة طويلة من زراعة البن فى مناطق بيئية متباينة ، استنبط المزارع اليمنى العديد من الأصناف والطرز الوراثية المتلائمة والمتكيفة مع الظروف البيئية والزراعية والحيوية لزراعته فى اليمن ، الأمر الذى مكنها من البقاء والاستمرار فى الإنتاج والعطاء واكسابها صفات جودة خاصة ومميزة لدى المستهلك .

* ورغم أن معظم أنحاء اليمن مناسبة لزراعة أشجار البن مناخيا وبيئيا ، إلا أنه يزرع حاليا فى ١٥ محافظة من أصل ٢١ محافظة يمنية تبدأ من السلاسل الجبلية الواقعة فى محافظة صعدة شمالا والممتدة حتى مرتفعات يافع فى الجنوب ، وما يتخللها من وديان عميقة وقيعان تسود فيها الظروف البيئية المناسبة . وهناك ٣ أنظمة لزراعة البن هى :

- قيعان الوديان التى تروى بالسيول والمياه الجوفية .

- السفوح المتوسطة الارتفاع والتى تعتمد على الأمطار والرى الجوفي ومياه العيون الصغيرة .

- المدرجات المطرية التى تعتمد كليا على الأمطار والخزانات التى أنشئت لتخزين هذه الأمطار .

* بلغت المساحة المزروعة من البن حاليا فى اليمن حوالى ٣٤ ألف هكتار تنتج حوالى ٢٠ ألف طن من البن ، وهى تعتمد كليا على الرى من مياه الأمطار الموسمية . وقد وضعت وزارة الزراعة والرى خطة طموحة لزيادة المساحة المنزرعة بما يؤدى إلى زيادة الإنتاج ليصل إلى ٥٠ الف طن .

* وتتوزع أصناف البن بين المحافظات اليمنية ، وهناك العشرات من الأسماء المحلية لأصناف البن المختلفة فى اليمن ، وعلى الرغم من أنها تشترك فى بعض الخصائص ، إلا أنها يمكن أن تبدو مختلفة عند التذوق عن بعضها البعض . ومن أهمها : المطرى ، الدويرى ، الحرازي ، التفاحى ، الاسماعيلي ، الجعدى ، الحورى ، الحيمى ، الصنعاني ، المحويتى ، العدينى ، الفضلى ، الشرفى ، الصعفانى ، الحمادى ، الملحانى ، الحوفاشى ، اليافعي ، الحفاشى ، العيسائي ، القطى ، الطسوى ، الحمومى ، الريمى ، البرعى ، الكوبارى ، الناخبي ، الشبريقى ، الصغيرى ، جبل الرس ، الشامى ، البازى ، الجعارى ، المسرحى ، الصافى ، الشانى ، الملحانى ، الدوارانى ، الخولانى ، الحمادى ،،، وغيرها .

* وقد ارتبطت شجرة البن طيلة عدة قرون باليمن ، الذى احتكر أسرار زراعته وطرق تحميصه وتصديره إلى أسواق العالم ، ومن ميناء " المخا " غرب اليمن اشتق اسم القهوة Mocha Cofee . وبحسب التصنيف فإن أى قهوة تسمى موكا يجب أن تكون يمنية الأصل . وقد كان اليمن فى القرنين ١٧ و ١٨ يحتل المرتبة الأولى عالميا فى زراعة وتجارة وتصدير البن ، مما أعطى اليمن حضورا عالميا فى هذه الصناعة حتى العقود الأخيرة .

* ومع كل ذلك التميز والتجدد والتنوع فى البن اليمنى ، يظل الحديث عن موطنه الأصلى محسوما كواقع مثبت فى مدونات تاريخية تتحدث عن اليمن كموطن أصلى للبن العربى ، وأول مكتشف للمشروب ، وأول مصدر للحبيبات الخضراء عبر قرون من الزمن ، وأن أرضه زاخرة بأقدم التنوعات الوراثية ، ومحتفظة بالبن الفريد الأعلى فى سعره ، والأفضل فى مذاقه ونكهته على مستوى العالم حتى اليوم .

* وتتسم الثقافة اليمنية عموما بأنها ثرية وواسعة ومتجذرة فى أعماق التاريخ . كذلك ، فإن ثقافة القهوة عند اليمنيين تميزت بشكل كبير ، وكانت جزءا أساسيا من حياة المجتمعات اليمنية وعاداتهم وتقاليدهم . وللقهوة طقوسها وثقافتها الخاصة والمميزة التى يتفاخر بها اليمنيون ، ولعل أبرز ما اتسمت به القهوة سواء آنيتها أو وعائها أوأساليب تقديمها ، أوظروف تعاطيها فى مختلف المناسبات مثل : الأعراس والمواليد والوفيات ، كما إنها إحدى الوسائل لتبادل الزيارات وتجمع الأهل والمعارف حول جمان وأوانى القهوة والقوازى والحياسى والصيانى مختلفة الأشكال والألوان والأحجام .

* وتتشابه وتتقارب طقوس القهوة فى أنحاء اليمن ، وإن كانت هناك بعض الاختلافات البسيطة هنا وهناك ، فإن ذلك لا ينفى واحدية الطقوس ، لذا نشير إلى بعض المؤشرات المشتركة فى جميع المناطق ، ومنها :

- إنه حتى وقت قريب ، ظلت الأدوات الرئيسية المستخدمة فى اعداد وتجهيز البن وتقشيره وطحنه هى حجر الرحى " المطحنة " التى مازال العمل بها ساريا حتى اليوم فى بعض المناطق الريفية .

- كان الناس يفضلون طحن الصافى من البن مخلوطا مع القشر واستخدامه لإعداد القهوة . وغالبا ما تكون قهوة خفيفة وغير مركزة فاتحة اللون لأن درجة التحميص تكون خفيفة ، عدا بعض المناطق البدوية التى يميل أهلها لتحضير القهوة العربية باستخدام حب البن الصافى فقط .

- ظلت القهوة المشروب الأكثر انتشارا بين كافة الطبقات الاجتماعية فى اليمن ، حيث تقدم فى كافة المناسبات ، حتى بدأ الشاى يتخلل حياة اليمنيين ، تلاه العصائر والمشروبات الغازية ، فأخذت القهوة تفقد مكانتها شيئا فشيئا وخاصة فى المدن ، بيد أن المشروبات الجديدة لم تغير كثيرا من طباع سكان الريف الذين استمروا على وفائهم لمشروع الآباء والأجداد .

- إنه على مدى عقود طويلة ، ظلت الأوانى المستخدمة فى اعداد وشرب وحفظ القهوة تقتصر على ما يتم صناعته محليا من أوان خشبية وخارجية ونحاسية .

* وبالنسبة لمصر ، فقد انتشرت ظاهرة شرب القهوة فى مصر عن طريق الطلاب اليمنيين الذين كانوا يدرسون فى الأزهر الشريف ، وتجاوزت حدودها إلى عدد من المدن المصرية ، وتفاعل المصريون ، ومنهم الفقهاء ، ايجابيا مع ظاهرة شرب القهوة ، وزاد منها تنقل الأولياء والفقهاء وقوافل الحج التى كان لها دور كبير فى انتشار هذه الظاهرة فى المجتمع المصرى .

* وأخيرا ، يظل فنجان القهوة ، مهما كان شكله ، عنوان محبة ، ويظل الأسلوب المتبع فى تقديمه وسيلة من وسائل التعبير عن الترحاب والحفاوة ، كما أن فنجان القهوة ، عدا عن كونه تعبيرا عن كرم الضيافة ، فإنه يحمل رسائل ذات مضامين معترف بها وبمغازيها عند كثير من أمم وشعوب العالم .

* المرجع : مصادر متعددة .

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي