اليمن، وإن أصابه خسوف كلي، فلن يكون أبديًا

برفيسور: أيوب الحمادي
الأحد ، ٢٩ سبتمبر ٢٠٢٤ الساعة ١١:٣٩ مساءً

 

نحتفل هذه الايام بذكرى ثورة الـ 26 من سبتمبر الخالدة ونحن نرى وطننا الحبيب وهو ما زال يئن تحت وطأة تحدياتٍ جسيمة، أثقلت الحاضر وأنهكت البلد برمته، فالوضع العسكري والأمني والاقتصادي مازال مرعباً، وكأنما الأرض باتت لا تعرف سوى الأحزان والآلام. فلو نظرنا إلى بوابة التعليم كمثال فسوف نجد ان التعليم يعاني من وضعٍ متردٍّ، إذ يتزايد أعداد الدارسين والدارسات الذين يتدفقون إلى المؤسسات التعليمية بلا أهدافٍ تنموية واضحة، وكأنهم يسيرون في سلسلةٍ هندسية متصاعدة، ولكن بلا اتجاهٍ محدد. هذا التدفق المستمر لا يعكس طموحاً نحو التنمية والتطوير، بل يتسرب في مساراتٍ ضائعة ويسبب مشكلة تنموية قادمة تعيق الاستقرار لعقود، تفتقر إلى الرؤية والخطط التي تحول تلك الطاقات إلى أدوات بناء وطنٍ مستقبلي. ولا اريد أن أعرج هنا ايضاً على البنى التحتية من كهرباء وأمن وخدمات ومواصلات، والتي تتدهور يوماً عن يوم، هذه الأزمات المتلاحقة هي مؤشر، ونتيجة عقود من المغامرات السياسية والفشل في الحكم التي قادت إلى حرب مدمرة، الأمر الذي جعل بلادنا فريسة سهلة للعديد من مشاريع التمزق والارتهان. 

 

اليوم ونحن نعيش أكبر كارثة في مجتمعنا اليمني يجب أن نسعى لإيجاد حلول جذرية نبني اليمن بموجبها كما أراد الاجداد بثورتهم في ال 26 من سبتمبر كقاعدة صلبة للامة اليمنية. وهذا لن يتحقق إلا إذا انطلقنا في سياستنا من مبدأ التوازن الدقيق لمختلف التوجهات بين مختلف القوى المحلية والإقليمية، ونحرص على إخراج بلدنا من هذه الكارثة باصطفاف وطني واسع، ووضعه على جادة الطريق الصحيح نحو مستقبل آمن ومستقر ومزدهر. فاذا كان 26 سبتمبر هو المنطلق الصلب لأجدادنا في إيجاد الدولة فأنه يمكن الاستناد عليه إن كرّسنا بجانب ذلك في أهدافنا وأعمالنا كل الجهود على إغلاق ملفات الحرب والصراع وعدم اندلاعها مجددا، والانطلاق الى المصالحة الشاملة والتعايش التام، ومن ثم التنمية داخل المجتمع اليمني على كافة الأصعدة، بحيث يجب ان يكون مضمون عملنا الارتكاز على المحافظة على كرامة الجميع والابتعاد عن التصنيف المناطقي والمذهبي والعنصري والجهوي. ويجب أن نستمد عملنا السياسي من أهداف ثورتي الـ26 من سبتمبر والـ14 من أكتوبر المجيدتين، ومن تضحيات أبناء شعبنا العظيم، ومن رؤيتنا لبناء الدولة اليمنية الحديثة الحسنة العلاقة بمحيطها العربي والاقليمي والدولي. فالثابت في جوهر اي عمل وطني، هو القبول بوجود الآخر كمكملٍ للنسيج والهوية اليمنية، وكمحركٍ مجتمعي دافعٍ لها نحو التعايش الذي يعتبر شوكة الميزان في بناء الدولة المنشودة والاستقرار المطلوب، و كذلك في إرساء علاقات متينة مع دول الجوار تضمن الاحترام المتبادل من خلال بناء جسور تعاون حقيقية شركاء وليس اتباع تجعل اليمن جزءاً ثابتاً ومكوناً أصيلاً من محيطه العربي وهذا هو مفهوم التوافق الوطني والبحث عن القواسم المشتركة. 

 

فالتوافق الوطني الحقيقي بقيم واهداف ثورة 26 من سبتمبر كمنهج مستقبلي لا يمكن أن يترسخ ما لم تتكاتف وتتعاون كل فئات الشعب الخيرة لبناء اصطفاف وطني واسع وإيجاد حلول عاجلة للمعضلات الأمنية والعسكرية والسياسية والتنموية المتراكمة -قبل وأثناء الحرب وفي هذه المرحلة -وما أفرزته هذه الحرب من انتشار للأزمات المتعددة وتفريخ للصراعات، جعلت ايجاد الدولة معضلة ودفعت بالكثير إلى التخندق والاحتراب والشتات، ،وقضت على خيرة الشباب اليمني ومقدراته وبنيته التحتية، مما ادى الى ازدياد معاناة المواطنين وانعدام سبل الحياة الكريمة لهم، وازدياد الازمة الانسانية واختفاء مقومات الحياة، فصارت حياة اليمني إشكالية معقدة تمثلت في انتشار البطالة وتوقف إيجاد حلول لها مع انتشار ظاهرة الفساد وأزمة السكن وانتشار الجهل والسلاح وتعثرت آلة التنمية وتعطل حتى الإنتاج والأعمال الصغيرة، الأمر الذي جعل البلد ارضاً خصبةً لانتشار الجماعات المسلحة المختلفة، التي تزعزع استقرار اليمن والمنطقة. 

 

اليوم ونحن نحتفل بثورتنا الخالدة نؤمن إن السياسة هي إرادة الحياة من تحت الصراع والدمار، فاذا كانت الحكمة اليمانية قد غابت عنا منذ سنوات، لكن يجب أن ندرك في نفس الوقت انه يمكن لها أن تعود من جديد، يمكن لنا أن ننهج نهج الآباء في صناعة المستحيل صناعة اصطفاف وطني واسع حيث تقول وقائع الحروب إن اليمن سوف تتمزق وانه على وشك الانهيار المجتمعي والجغرافي، ولكن حقائق التاريخ اليمني تثبت ودون شك إن اليمن بلد عصي على السقوط، وإن تواجد خسوفاً كلياً فيها فلا يعني انه خسوف أبدي، وبوجود كل فئات الشعب الخيرة سيشرق اليمن من جديد كما اراد بثورتهم الاجداد وكما نريد نحن. ومع كل عام يمر، يتجدد السؤال: متى سيشرق هذا الفجر؟ متى سنغسل وجه اليمن من غبار المعاناة وندخله إلى ضوء النهار، حيث العدل والأمن والرغد ليسا أمنية بعيدة، بل واقع يجب ان يعيشه مجتمعنا؟

 

وحفظ الله اليمن أرض وانسان.

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي