أهل البيت في القرآن واللغة:
عملت الهاشمية، عبر كل الوسائل في تاريخها، لتزوير النصوص وتأويلها واعتسافها وتسييسها لصالح مشروعها السياسي، رداً على الأمويين الذين يتهمونهم باختطاف الخلافة/الولاية عنهم، وكان من أهم ما عملت به ابتكارها مصطلح أهل البيت وتسييسه على الرغم من أن النص القرآني خص بالمصطلح نساء النبي –صلى الله عليه وسلم- في سياق 36 آية في سورة الأحزاب، وشقت الأمة نصفين عبر هذا المدخل كتمييز عنصري وعلو طبقي، يميزون أنفسهم عن كل المسلمين بهذا الانقسام، وجيروا له الخمس والقرابة والأهلية وغيرها الكثير.
وللوقوف على أصل هذه المسألة، سنمضي في تتبعها عبر تعريفها في القرآن والسنة وعلوم اللغة.
أهل البيت المقصودون في الآية:
جاء في لسان العرب "أهل البيت: سكانه. وأهل الرجل: أخص الناس به. وأهل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم: أزواجه وبناته وصهره؛ أعني علياً –عليه السلام- وقيل: نساء النبي –صلى الله عليه وسلم-، والرجال الذين هم آله.
وفي التنزيل العزيز: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ}الأحزاب33، القراءة أهلَ بالنصب على المدح كما قال: بك اللهَ نرجو الفضل، وسبحانك اللهَ العظيم، أو على النداء كأنه قال: يا أهلَ البيت. وقوله -عز وجل- لنوح: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ}هود46، قال الزجاج: أراد ليس من أهلك الذين وعدتهم أن أنجيهم".
وفي معجم المعاني الجامع: أهل الرجل: نساؤه وولده، وقد يدخل فيهم غيرهم ممن يعول.
ومن العجب أن يدخل ابن منظور علياً في الأهل، كما فعل غيره من بعض رواة الحديث، بعيداً عن مقاصد الآيات في سورة الأحزاب، وقد قيل عن ابن منظور فيه مسحة تشيع، كما يظهر من قوله (عليه السلام)، وقد أدخل علياً في الأمر وهو ليس من أهل النبي بل من أقربائه، والآيات واضحات باختصاص نساء النبي في الأمر، كما هو معروف بمقصود الأهل عند العرب وسياق الآيات القرآنية ومخاطبته إياهن.
وقد جاء في موضع آخر في القرآن الكريم خاص ببيت نبي الله إبراهيم وأهله، في سياق الحديث عن زوجه، ويذكرها بالأهل. قال تعالى: {قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيد}هود73، وهذا الأمر يقوي مقصد الأهل أنه النساء والذرية، مع وضوح الآيات والسياق ودلالة الألفاظ المختلفة في الآيتين.
والأهل لفظ يضاف إلى غير العاقل، أما الآل فتضاف إلى العاقل وخاصة الرجل.
والأهل، بلا تأويل ولا تعسف -كما جاء في القرآن الكريم- هم أهل الرجل من زوجات وبنين وبنات، وهم ساكنو البيت من الزوجات والأولاد {قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ}هود73، {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}الأحزاب33، {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ}هود81، {قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءاً}يوسف25، {ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}البقرة196، {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ}آل عمران121 {فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً}طه10
وأهل بيت النبي –صلى الله عليه وسلم- هن زوجاته وبناته، وقد فصّل الله ذلك تفصيلاً في سورة الأحزاب، والخطاب معروف لهن باستخدام نون النسوة، واستخدام الألفاظ الصريحة فيهن. {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً}الأحزاب59
تعتبر سورة الأحزاب، سورة تربوية لنساء النبي بالدرجة الأولى، باعتبار صلب موضوعها تربية نساء النبي لتطهير وتحصين وتهيئة بيئة النبي وتنقيتها من الشوائب كبيت نبوة يتنزل فيها الوحي، وبيوته مصدر إلهام لبقية نساء المؤمنين ومركزاً من مراكز انطلاق الدعوة لبقية الناس.
فكما ربى الله -سبحانه وتعالى- نبيه وأدبه وعلمه وهيأه لاستقبال الوحي، هو كذلك أصلح بيئته ورباها حتى لا تحوم أية شبهة عليه أو على بيئته ومن حوله.
كان الله سبحانه -وتعالى- يضرب النعاس على النبي وهو شاب إذا أراد الذهاب ليسمع لهواً من لهو مكة قبل البعثة، وشق صدره وطهره واصطنعه ليكون محل تأهيل للوحي والنبوة، وجعله يعتزل الناس للتحنث والتفكر في غار حراء، وكل هذا إنما صناعة وتهيئة له لاستقبال النبوة والوحي.
وكما فعل معه هذه الأساليب التربوية والهداية، استخدم أساليب التربية لبيوته ونسائه ترغيباً وترهيباً وتأديباً وتهيئة وحواراً وحجة وإقناعاً ومفاصلة ومصارحة وتخييراً لكونهن (لستن كأحدٍ من النساء).
وكذلك "التشديد عليهن بهذه الوصايا، وحكمته هو تطهير بيته (ص) مما يدنسه بانحرافهن عن صراط التقوى - (برأهن الله من ذلك) - ومن المعلوم بالبداهة: أن الرجل لا يلحقه من العار بارتكاب أحد أولاد عمه لفاحشة ما مثل ما يلحقه باقتراف زوجه للفاحشة" .
بدأ الخطاب في أول آية تربوية لنساء النبي: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً}الأحزاب28
ثم استمر الخطاب لهن في كل الآيات التي تخصهن في سورة الأحزاب، باستخدام أدوات مختلفة لذلك:
- قل لأزواجك
- يا نساء النبي
- بيوت النبي
- نون النسوة
ولم يدخل أي حرفٍ يشير إلى المُذَكَّر في أهل بيته، لا حرفاً، ولا ضميراً، ولا فعلاً، ولا اسماً، ولا إشارة؛ بل على العكس من كل ذلك؛ فهو يؤكد بالاختصاص نساء النبي كأهل له، وهذا يدحض ما تذهب إليه الإمامة والشيعة -بكل فرقها- بدخول علي بن أبي طالب وبنيه في أهل بيت النبي.
وروى ابن جرير: عن عكرمة، أنه كان ينادي في السوق: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}الأحزاب33، نزلت في نساء النبي –صلى الله عليه وسلم- خاصة، وهكذا روى ابن أبي حاتم، قال: حدثنا علي بن حرب الموصلي، حدثنا يزيد بن الحباب، حدثنا حسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} قال نزلت في نساء النبي –صلى الله عليه وسلم- خاصة.
وقال عكرمة: من شاء باهلته أنها نزلت في أزواج النبي –صلى الله عليه وسلم.
ومن يتتبع أحاديث وسيرة النبي –صلى الله عليه وسلم- سيجد تفسيراً عملياً لمن هم أهل البيت المقصودون في الآية، كما هو تفسيرها في آية الحجاب.
فقد جاء في صحيح البخاري، حدثنا أبو معمر، حدثنا عبدالوارث، حدثنا عبدالعزيز بن صهيب، عن أنس –رضي الله عنه- قال: "بُني على النبي –صلى الله عليه وسلم- بزينب بنت جحش بخبز ولحم، فأُرسلتُ على الطعام داعياً، فيجيء قوم فيأكلون ويخرجون، ثم يجيء قوم فيأكلون ويخرجون، فدعوت حتى ما أجد أحداً أدعو، فقلت: يا نبي الله، ما أجد أحداً أدعوه، فقال: فارفعوا طعامكم. وبقي ثلاثة رهط يتحدثون في البيت، فخرج النبي –صلى الله عليه وسلم- فانطلق إلى حجرة عائشة، فقال: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله، فقالت: وعليك السلام ورحمة الله، كيف وجدت أهلك؟ بارك الله لك. فتقرَّى في حُجَر نسائه كلهن، يقول لهن كما قال لعائشة، ويقلن له كما قالت عائشة..."إلخ الحديث.
جاء في كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل (فصل فيما يستدل به على تفسير آل النبي –صلى الله عليه وسلم- المصلى عليهم):
الحديث رقم (1600) عن ابن طاووس، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن رجل من أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- ، عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقول: "اللهم صل على محمد وعلى أهل بيته، وعلى أزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. وبارك على محمد وعلى أهل بيته وأزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد". قال ابن طاووس: كان أبي يقول مثل ذلك.
وكذلك الحديث رقم (1601) عن عمرو بن سليم، أنه قال: أخبرني أبو حُميد الساعدي، أنهم قالوا: يا رسول الله، كيف نصلي عليك؟
فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم: "قولوا: اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على أزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد".
..... يتبع
-->