الإمام الشافعي والصلاة الإبراهيمية
مما بات معروفاً عند كثير من الباحثين، بل والعلماء المتأخرين، أن الإمام الشافعي هو أول من أوجب الصلاة على النبي –صلى الله عليه وسلم- في التشهد الآخر من الصلاة، وإليه ينسب الفعل والرأي، وما يتعلق بتلك الصلاة من ملحقات (الآل) والتي باتت تعرف بالصلاة الإبراهيمية، وكان ممن وثق هذه القناعة بعض أتباعه كأبي الطيب الطبري، والطحاوي وآخرين، وادعوا أنه لم يسبق إلى ذلك [قبل الشافعي]، واستدلوا على ندبيتها [الصلاة على النبي في التشهد] بحديث (الباب) [أعلاه]، مع دعوى الإجماع، لكن هناك رأي آخر يقول إن ذلك الإيجاب والفعل ورد قبل الشافعي عن أبي جعفر الباقر والشعبي وغيرهما ما يدل على القول بالوجوب. وأعجب من ذلك أنه صح عن ابن مسعود ما يقتضيه، كما قال ابن حجر العسقلاني.
إستند الشافعي، في وجوب الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- في التشهد، إلى نقطتين رئيستين؛ نقطة من القرآن عملاً بظاهر الآية في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}الأحزاب56
قال الشافعي: "فرض الله –عز وجل- الصلاة على رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} الأحزاب56
قال الشافعي - رحمة الله عليه: فلم يكن فرض الصلاة عليه في موضع أولى منه في الصلاة، ووجدنا الدلالة عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بما وصفت من أن الصلاة على رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فرض في الصلاة، والله تعالى أعلم"( الأم: ج2، صـ270).
ونقطة أخرى من بعض الأحاديث، وإن كانت مضطربة ألفاظها فيها زيادة ونقص وتأويل، كما في بعض الأحاديث السابقة، غير أن ما أورد منها الشافعي فيها بعض الزيادات والتأويل؛ كأن يقال: كيفية الصلاة عليك في الصلاة، كيف نصلي عليك في صلاتنا...إلخ، كما سنبينه لاحقاً مقارنة بما ورد منها عند البخاري ومسلم ومالك وغيرهم.
قال الربيع: "أخبرنا الشافعي –رضي الله عنه- قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني صفوان بن سليم، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن أبي هريرة: أنه قال: يا رسول الله، كيف نصلي عليك؟ يعني في الصلاة. قال: "قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد، كما باركت على إبراهيم، ثم تسلمون عليّ" ((الأم): ج2، صـ270. قال بعض رجال الحديث ومحقق كتاب مسند الشافعي أن إسناد الحديث ضعيف لشدة ضعف شيخ الشافعي).
في هذا الحديث مآخذ مختلفة، منها:
- أن الحديث لم يرد عن أبي هريرة وإنما عن كعب بن عجرة وأبي مسعود الأنصاري وأبي سعيد الخدري/البدري فقط، كما هو المشهور في كتب الحديث.
- كما نجد أن لفظ (آل محمد) حشر حشراً في هذه الصيغة لم تذكر آل إبراهيم عطفاً على ذكر آل محمد، كما في بعض الصيغ الأخرى التي فيها الكثير من المآخذ، وآل إبراهيم أولى بالصلاة عليهم من (آل محمد) كونهم أنبياء ورسلاً ومؤمنين وصالحين.
- وقد حشر اللفظ (يعني في الصلاة) حشراً في السؤال؛ وإلا فإن معظم صيغ هذا الحديث كان تساؤلاً عاماً ومفتوحاً فقط عن كيفية الصلاة على النبي وحده، ولم يحدد السائلون أي موضع أو تقييد لهذ السؤال والصلاة.
- صيغ التشهد المعروفة عن كل الصحابة الذين رووا التشهد لم يرووا أي إلحاق له بالصلاة على النبي، فضلاً عن الصلاة على الآل.
- حتى من يراجع أقوال الشافعي، في كل كتبه التي ذكرها، إنما كان يحصرها أيضاً على الصلاة على النبي وحده، دون إلحاق الآل، إلا ما اعتسف اعتسافاً من كلامه أو تم تجيير هذه الصلاة. ولكنه أيضاً يورد أحاديث فيها زيادة عن كيفية الصلاة على النبي في الصلاة فيها زيادة آل محمد، مع ما يوجبه من الصلاة على النبي في التشهد، وتلحق تلك الصلاة بالآل، كما في الأحاديث التي استشهد بها، ومن هنا فُهم أنه يوجب الصلاة الإبراهيمية في التشهد والجنازة.
- حث النبي –صلى الله عليه وسلم- أمته على الصلاة عليه في مواضع كثيرة، كما سنفصلها لاحقاً، لم يلحق في توجيهاته أي عطف لآله في الصلاة عليه.
- أن الحديث إسناده ضعيف لشدة ضعف شيخ الشافعي (مسند الشافعي ترتيب سنجر: ج1/285، رقم الحديث (257)).
وفي صيغة أخرى، أورد الشافعي، قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد، حدثني سعد بن إسحاق، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، (عن كعب بن عجرة) -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقول في الصلاة: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد. (بدائع المنن: ج2 – صـ92، رقم الحديث 270، مسند الشافعي: ج1/ صـ280، رقم الحديث 178، وفي ترتيب سنجر: ج1/ صـ285، من باب (الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم) رقم الحديث 258).
ولم يورد البخاري ولا مسلم ولا أحمد ولا النسائي هذه الصيغة، كما هي عند الشافعي؛ فقد وردت عندهم الصيغة بدون عبارة (كان يقول في الصلاة)، رغم أن الراوي هو عبدالرحمن بن أبي ليلى، والمروي عنه الصحابي كعب بن عجرة.
بل إن أحمد والبخاري ومسلم وأبا حاتم والنسائي والترمذي رووا الحديث عن كعب بن عجرة كالتالي:
قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن الحكم، قال: سمعت ابن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هدية؟ خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلنا: يا رسول الله، قد علمنا –أو: عرفنا- كيف السلام عليك، فكيف الصلاة؟ قال: "قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على [آل] إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد" (تفسير ابن كثير: ج6 – صـ458).
قال البخاري: حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد، حدثنا أبي، عن مسعر، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، قال: قيل: يارسول الله، أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصلاة؟ فقال: "قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، [كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. الله بارك على محمد وعلى آل محمد] كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد"(تفسير بن كثير: ج6 – صـ458، وصحيح البخاري برقم 4797، وما بين التقويس زيادة).
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا هشيم بن بشير، عن يزيد بن أبي زياد، حدثنا عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، قال: لما نزلت: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (الأحزاب: (56))، قال: قلنا: يارسول الله، قد علمنا السلام، فكيف الصلاة عليك؟ قال: "قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم. إنك حميد مجيد". وكان عبدالرحمن بن أبي ليلى يقول: وعلينا معهم. ورواه الترمذي بهذه الزيادة. (ابن كثير: ج6 – صـ458).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم في مستدركه، من حديث محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم التيمي(أغلب علماء الجرح والتعديل يعدونه في الثقة، غير أن جلال الدين السيوطي، في طبقات الحفاظ، قال: وَثَّقَهُ ابْن معِين وَأَبُو حَاتِم وَالنَّسَائِيّ وَغَيرهم، وَقَالَ أَحْمد فِي أَحَادِيثه شَيْء يرْوى أَحَادِيث مَنَاكِير مَاتَ سنة تسع عشرَة وَمِائَة وَقيل سنة عشْرين وَمِائَة (تراجم عبر التاريخ).
، عن محمد بن عبدالله بن زيد بن عبد ربه، عن أبي مسعود البدري، أنهم قالوا: يارسول الله، أما السلام فقد عرفناه، فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا؟ فقال: "قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد..." وذكره. (ابن كثير: ج6 – صـ460).
قال ابن كثير: ورواه الشافعي -رحمه الله- في مسنده عن أبي هريرة، بمثله، ومن هاهنا ذهب الشافعي -رحمه الله- إلى أنه يجب على المصلي أن يصلي على رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في التشهد الأخير، فإن تركه لم تصح صلاته. وقد شرع بعض المتأخرين من المالكية وغيرهم يشنع على الإمام الشافعي في اشتراطه ذلك في الصلاة، ويزعم أنه تفرد بذلك، وحكى الإجماع على خلافه أبو جعفر الطبري، والطحاوي، والخطابي، وغيرهم، فيما نقله القاضي عياض". (ابن كثير: ج6 – صـ460).
قال الشافعي (رضي الله عنه): فعلى كل مسلم وجبت عليه الفرائض، أن يتعلم التشهد والصلاة على النبي –صلى الله عليه وسلم- ومن صلى صلاة لم يتشهد فيها ويصلي على النبي –صلى الله عليه وسلم-، وهو يحسن التشهد، فعليه إعادتها، وإن تشهد ولم يصل على النبي –صلى الله عليه وسلم- أو صلى على النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يتشهد، فعليه الإعادة، حتى يجمعهما جميعاً. وإن كان لا يحسنهما على وجههما، أتى بما أحسن منهما، ولم يجزه إلى بأن يأتي باسم تشهد وصلاة على النبي –صلى الله عليه وسلم-. وإذا أحسنهما، فأغفلهما، أو عمد تركهما، فسواء، وعليه الإعادة فيهما جميعاً.(كتاب الأم للشافعي: ج2/271).
فصّل ابن كثير في قضية الصلاة في التشهد، وأيد الشافعي فيما ذهب إليه من وجوب الصلاة على النبي في التشهد الأخير.
فقد أورد ابن كثير رأيه تعقيباً آخر على رأي الشافعي أن لا إجماع على خلاف الشافعي في وجوب الصلاة على النبي في الصلاة لا قديماً ولا حديثاً، فقال: "والغرض أن الشافعي -رحمه الله- لقوله بوجوب الصلاة على النبي –صلى الله عليه وسلم- في الصلاة –سلف وخلف كما تقدم، لله الحمد والمنة، فلا إجماع على خلافه في هذه المسألة لا قديماً ولا حديثا، والله أعلم"(تفسير ابن كثير: ج6، صـ460).
وهذا أمر عجاب؛ فقد رأينا آراء خلافية على الشافعي، كما في مقدمة هذا الرأي لابن كثير، وهو يرد على بعض علماء المالكية وغيرهم، كما أسلف، فقال: "وقد شرع بعض المتأخرين من المالكية وغيرهم يشنع على الإمام الشافعي في اشتراطه ذلك في الصلاة، ويزعم أنه تفرد بذلك [الشافعي]، وحكى الإجماع على خلافه أبو جعفر الطبري والطحاوي والخطابي، وغيرهم، فيما نقله القاضي عياض.."(تفسير ابن كثير: ج6، صـ460)؛ أي يوجد خلاف على الشافعي عن أنه لا إجماع على وجوب الصلاة على النبي في التشهد، وممن حكاه من المتأخرين أيضاً ابن عثيمين، فقال: "الصَّلاةَ على النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- سُنَّة، وليست بواجب ولا رُكن، وهو روايةٌ عن الإمام أحْمد، وأنَّ الإنسان لو تعمَّد تَرْكها فصلاتُه صحيحة لأنَّ الأدلَّة التي استدلَّ بها الموجبون، أو الذين جعلوها رُكنًا ليستْ ظاهرةً على ما ذهبوا إليه، والأصل براءة الذِّمة. وهذا القول أرجحُ الأقوال إذا لم يكُن سوى هذا الدليلِ الذي استدلَّ به الفقهاء -رحمهم الله- فإنه لا يمكن أن نُبطلَ العبادةَ ونُفسدها بدليل يحتمل أن يكون المرادُ به الإيجابَ، أو الإرشاد".(أهل البيت في المنظور القرآني: د عبدالله القيسي، صـ125، مركز النهضة اليعربية، ط1، 2020م، وقد أخذ الرأي عن الشرح الممتع لابن عثيمين).
غير أن النقل عن الشافعي هو في عموم الصلاة على النبي، عملاً بظاهر الآية (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)، لكن الخلاف القائم هو على إلحاق (الآل) بهذه الصلاة في التشهد؛ صحيح أن الشافعي لم يخص الآل أو يؤكد عليهم في الصلاة تخصيصاً، لكن استشهاده بعموم الصلاة على النبي في الصيغة التي تلحق بها الآل في كل موضع، في معظم آرائه.
وحكى ابن كثير "أن لا إجماع على خلافه".(تفسير ابن كثير: ج6/460).
وقد راجعنا صيغ الحديث عند البخاري ومسلم لرواية أبي مسعود، فما وجدنا التساؤل الذي أورده ابن كثير في الحديث كيف نصلي في صلاتنا؟!
وقد جاء حديث أبي مسعود الأنصاري/البدري عند النسائي بثلاث صيغ مختلفة غير صيغة البخاري والشافعي.
روى النسائي قال: أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين –قراءة عليه واللفظ له- عن ابن القاسم، قال: حدثني مالك، عن نعيم بن عبدالله المجمر، أن محمد بن عبدالله بن زيد الأنصاري أخبره عن أبي مسعود الأنصاري، قال: أتى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في مجلس سعد بن عبادة، فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله، فكيف نصلي عليك؟ فسكت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال: "قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، في العالمين، إنك حميد مجيد"(سنن النسائي: ج صـ26، رقم الحديث 9793).
وفي الصيغة الثانية، عن نفس الراوي والمصدر وهو أبو مسعود..
فقد روى النسائي، قال: أخبرني أحمد بن بكار، عن محمد –وهو ابن سلمة- عن ابن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم، عن محمد بن عبدالله، عن أبي مسعود، قال: جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: السلام عليك قد عرفناه، فكيف الصلاة عليك، صلى الله عليك؟ فسكت النبي -صلى الله عليه وسلم- ساعة ثم قال: "تقولون: اللهم صل على محمد النبي الأمي، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد النبي الأمي، كما باركت على إبراهيم، إنك حميد مجيد".(سنن النسائي: ج صـ26، رقم الحديث 9794).
وفي الصيغة الثالثة، كما عند النسائي، أخبرنا زياد بن يحيى، قال: حدثنا عبدالوهاب بن عبدالمجيد، قال: حدثنا هشام بن حسان، عن محمد، عن عبدالرحمن –وهو ابن بشر- عن أبي مسعود الأنصاري، قال: قيل للنبي –صلى الله عليه وسلم: أمرنا الله أن نصلي عليك ونسلم، فأما السلام فقد عرفناه، فكيف نصلي عليك؟ قال: "قولوا: اللهم صل على محمد، كما صليت على آل إبراهيم، اللهم بارك على محمد، كما باركت على آل إبراهيم" (سنن النسائي: ج صـ26، رقم الحديث 9795).
ثم في صيغة رابعة، أخبرنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا يزيد –هو ابن زريع- قال: حدثنا ابن عون، عن محمد بن سيرين، عن عبدالرحمن بن بشر، قال: قالوا: يارسول الله، قد علمنا كيف التسليم عليك، فكيف بالصلاة؟ قال: "قولوا: اللهم صل على محمد، كما صليت على آل إبراهيم، اللهم بارك على محمد، كما باركت على آل إبراهيم"(سنن النسائي: صـ27، رقم الحديث 9796).
ثم صيغة خامسة، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أخبرنا محمد بن بشر، قال: حدثنا مجمع بن يحيى، عن عثمان بن موهب، عن موسى بن طلحة، عن أبيه، قال: قلنا: يا رسول الله، كيف الصلاة عليك؟ قال: "قولوا: اللهم صل على محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد"(سنن النسائي: صـ27، رقم الحديث 9797).
وقد ذكر ابن حجر العسقلاني أن أبا الطيب الطبري، من أتباعه، والطحاوي وآخرون، ادعوا أنه لم يسبق إلى ذلك [قبل الشافعي]، واستدلوا على ندبيتها [الصلاة على النبي في التشهد] بحديث (الباب) [أعلاه]، مع دعوى الإجماع، وفيه نظر؛ لأنه ورد عن أبي جعفر الباقر والشعبي وغيرهما ما يدل على القول بالوجوب. وأعجب من ذلك أنه صح عن ابن مسعود ما يقتضيه. فعند سعيد بن منصور وابي بكر بن أبي شيبة بإسناد صحيح إلى أبي الأحوص قال: قال عبد الله [بن مسعود]: يتشهد الرجل في الصلاة، ثم يصلي على النبي –صلى الله عليه وسلم- ثم يدعو لنفسه بعد. وقد وافق الشافعي أحمد في إحدى الروايتين عنه وبعض أصحاب مالك، وقال إسحاق بن راهويه أيضاً بالوجوب، لكن قال: إن تركها ناسياً رجوت أن يجزئه. فقيل إن له في المسألة قولين كأحمد، وقيل بل كان يراها واجبة لا شرطاً. ومنهم من قيد تفرد الشافعي بكونه عينها بعد التشهد لا قبله، ولا فيه حتى لو صلى على النبي –صلى الله عليه وسلم- في أثناء التشهد مثلاً لم يجزئ عنده".(فتح الباري في شرح صحيح البخاري: لابن حجر العسقلاني، ج2/صـ321، ط المكتبة السلفية بإشراف عبدالعزيز بن باز).
لكن كتب الحديث، التي أوردت صيغة تشهد ابن مسعود لم تذكر له تعقيباً على التشهد بالصلاة على النبي بتلك الصيغة التي باتت تعرف فيما بعد بالصلاة الإبراهيمية، غير أن هناك حديث موقوف على ابن مسعود في موضع واحد ذكر أنه يصلي على النبي بعد التشهد، لم يرفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم.
والحديث "عن عبدالله بن مسعود: اللهم اجعل صلواتك وبركاتك ورحمتك على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وخاتم النبيين، محمد عبدك ورسولك؛ إمام الخير، ورسول الرحمة.
اللهم ابعثه مقاماً محموداً يغبطه فيه الأولون والآخرون.
اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد؛ وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد".(الشفا بتعريف حقوق المصطفى: صـ563، تفسير ابن كثير: ج6، صـ462).
وهذا يعتبر خلافاً لكل ما روي عن تشهد ابن مسعود في كل المصادر من كتب تفاسير وفقه وأحاديث، ويظهر اضطراباً لدى القارئ والباحث على السواء أيهما أصح من الآخر، وبأي الرأيين يأخذ، ومن هنا ومثل هذه الأبواب يتم التفريع والتوهان في الأحكام والإتباع.
فالمشهور من رواية وتشهد ابن مسعود هو الأحاديث السابقة عند كل المراجع، ولو كان هذا الأثر صحيحاً عن ابن مسعود لضم هذه الصلاة بتشهده المعروف والمشهور بين كل روايات التشهد الأخرى، وهو القائل بأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يلقنه التشهد كلمة كلمة!
....يتبع
-->