لم يقف الفلاسفة وعلماء النفس والمفكرون عاجزين كما وقفوا عاجزين في وصف المرأة ، وفي دراسة شخصية ونفسية وكينونة المرأة ، هذا المخلوق المتميز عن بقية المخلوقات حتى عن إبن جنسها الرجل ، هذا المخلوق العجيب الذي جعل الله تعالى فيه سر الحياة ومبتداها ومستقرها ومستودعها ، ففي أحشائها تنمو بذرة الحياة وتتشكل ، ومن أحشائها تولد الحياة وتنبض القلوب ويتكاثر البشر وتستمر الحياة ، وعلى يديها تنمو وتنشأ وتتربى الأجيال ، ومن مشاعرها وأحاسيسها يفيض الحب والحنان ليملأ الكون فرحاً وابتساماً وأملاً وعطاءاً وتضحيةً ، وهو ما يمنح هذا المخلوق التميز والعظمة ويجعله مصدر الحياة وسر الوجود ، ولم يكرم الله تعالى أحد كما كرم المرآة الأم والأخت والبنت والزوجة ، ولم يهتم الدين الإسلامي كما اهتم بالأرحام من النساء ، ولم يوصي الرسول عليه الصلاة والسلام بالخير لأحد كما استوصى بالنساء خيرا في خطبة الوداع ، كل ذلك تقديراً للدور الكبير والعظيم والمحوري الذي يقوم به هذا المخلوق المتميز في الحياة على كل الأصعدة وفي كل مجالات وتفاصيل الحياة ..!!
ولم يصف القرآن الكريم أحد بالدهاء والذكاء كما وصف النساء ، قال تعالى (( إن كيدهن عظيم )) ، والكبد هنا هو المعنى الحرفي لاجتماع الذكاء والدهاء والذي يمنح النساء القدرة الكبيرة على إدارة شئون الحياة وصراعاتها وظروفها وتقلباتها بالحكمة والعقل ، وحتى القدرة على الانتقام بكل كفاءة واقتدار من خصومهن إذا لزم الأمر بالدهاء وبالكيد بدون الحاجة للقوة الجسمية ، فالإنسان بشكل عام ميزه الله تعالى بالقدرات العقلية ، ولكن هناك من يستغل هذه القدرات الاستغلال الأمثل كالنساء ، وهناك من لا يستخدم هذه القدرات كالكثير من الرجال الذين يلجأون للعنف والحروب والصراعات لتحقيق مصالحهم ونيل مآربهم ، لذلك غالباً ما ذكر لنا التاريخ الكثير من القصص والحكايات التي تظهر قدرة وذكاء ودهاء النساء في التغلب على القوة الجسمية التي يتمتع بها الرجال ، بل إن دهاء وذكاء بعض النساء في كل زمان ومكان قد جعلهن يتمكن من تسخير تلك القوة واستغلالها في تحقيق مصالحهن ، عبر أساليب ووسائل مختلفة ..!!
ليأتي بعض الرجال ويمنون أنفسهم بأنهم عبر القوة والضغط والضوابط والإجراءات التعسفية والإكراه يمكن أن يسيطروا على النساء ويتحكموا بهن وهذا هو الغباء بعينه ، فلا تستطيع أي قوة في العالم السيطرة والتحكم بالنساء مهما كانت سطوتها ، ومهما أظهرت النساء الرضوخ لها ، إلا أنهن وفي كل فرصة وفي كل لحظة وفي كل موقف يعملن على تحطيم كل القيود المفروضة عليهن بطريقة أو بأخرى ، فلا تعدم عليهن الحيلة والمكيدة في كسر كل الحواجز والضغوط المفروضة عليهن ، ومن يظن أنه عبر سلاح القوة والهيمنة والاستبداد والذكورة يمكن أن يتحكم في المرأة ويسيطر عليها ويستعبدها فهو واهم ، وكان ولا يزال وسيظل السلاح الوحيد والنافع والناجع للسيطرة على قلوب النساء ومشاعرهن وعقولهن وتصرفاتهن هو سلاح الحب والمودة والتفاهم والرحمة ، قال تعالى (( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن وفي ذلك لآيات لقوم يتفكرون )) ، وما دون ذلك هو محض عبث وإهدار للوقت والجهد ..!!
وهنا يكمن سر قوة وعظمة هذا المخلوق المتميز ، كيف لا والمرأة هي نبع الحنان والأمومة والحب والعطاء والتضحية والعواطف النبيلة والعظيمة ، كيف لا والمرأة هي من تمنح الحياة طعمها ولونها وجمالها وحضورها وقيمتها ومعناها ، فالمرأة هي الحياة والحياة هي المرأة ، والحياة بدون المرأة الأم والأخت والبنت والزوجة والقريبة ليست أكثر من صحراء قاحلة مجدبة قاسية كئيبة سوداوية ، لذلك ليس هناك نعمة وهبها الله للرجل أعظم وأكبر من نعمة المرأة ، ولا يقدر هذه النعمة ويرعاها ويحافظ عليها ويكرمها ويمنحها حقوقها كاملة إلا العظماء والحكماء والصالحين ، ولا يهين المرأة ويتطاول عليها وينتقص من شأنها وينهب حقوقها وينتهك حرياتها الشخصية ويحتقرها ويتحدث عليها بالسوء إلا الجهلة والمغفلون والحمقى والأمراض نفسياً ، ومن أجل ذلك جاءت التشريعات الإلهية قوية وصارمة وبالذات في مجال سمعة المرأة وكرامة المرأة ، قال تعالى (( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون )) ، وقال تعالى (( إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم )) ..!!
إنها عقدة الذكورة التي تدفع ببعض الرجال المفلسين أخلاقياً وسلوكياً ونفسيا ، على اطلاق الاتهامات الكاذبة والظنون السيئة والأخبار الزائفة على النساء المسلمات المحصنات الشريفات العفيفات الطاهرات ، وهي عقدة نفسية تدفع ببعض الرجال إلى النظر بدونية واستحقار للنساء ، وقد تظهر تلك العقدة النفسية نتيجة الإفلاس الأخلاقي ، أو نتيجة العجز في فهم المرأة ، أو العجز في إرضائها عاطفيا ، أو العجز في عدم القدرة على توفير احتياجاتها المادية ، المهم أن عقدة الذكورة هي في كل الأحوال نتيجة عجز وفشل وإخفاق وعدم قدرة وعدم كفاءة في بعض الجوانب أو كلها ، فيحاول كل من يعاني من هذا العقدة الظهور بمظهر المستبد والصارم في تعامله مع النساء ، ولا يتوقف عن التشكيك في النساء ونشر الأكاذيب والإفتراءات الباطلة بحقهن ، بينما لا تظهر هذه العقدة عند الرجل المتمكن والواثق من نفسه ، وهو ما يجعله ينظر إلى النساء نظرة احترام وتقدير ، ويحمل تجاه كل النساء النوايا الحسنة ويحملهن على محمل الخير ، فلا يتكلم عنهن إلا بكل خير ، ودائماً ما يرفع من شأنهن ، وعلى كل حال وكقاعدة عامة من يعامل المرأة معاملة سيئة وسلبية هو وحده من يجني نتائج تلك المعاملة ، فهي تنعكس بشكل مباشر على حياته ، فلا ينتظر من امرأة مظلومة ومحرومة من السعادة والحب والحنان والفرح أن تمنحه السعادة والحب والحنان والمودة والفرح ، ففاقد الشيء لا يعطيه ، وعليه أن لا يستغرب إذا جعلت حياته كئيبة وسوداوية ومأساوية ، لا يستغرب إذا هلت عليه المصائب والمشاكل من حدب وصوب ، ومن عمله بيده الله يزيده كما يقول المثل الشعبي . نقطة آخر السطر ..!!
-->