هم بنوك ياشيخ.. مش غلط تسمعهم

جمال أنعم
الاربعاء ، ١٣ سبتمبر ٢٠٢٣ الساعة ٠٣:١٦ مساءً

   

 في تاريخ الوعظ والإرشاد يستحيل أن تجد خطيبا استعمل  هذا  اللفظ "مخناثة" وفيما تعلمناه أن الدفاع عن القيم لا يمكن أن يتم عن طريق انتهاك القيم وتجاوز الآداب والحدود. "الاعتراف بالذنب ايسر من التماس الحجة "كما قيل ومؤسف أن يوغل البعض في التبرير والتعالم والتذاكي  وإساءة استخدام الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة للدفاع عن خطأ صادم كهذا حمية للباطل وصلفا وعنادا وغرورا  وتعاليا على الحق. هذه سقطة يصعب تبريرها والتستر عليها ومن النبل والصدق والنزاهة الاعتراف، بدلا من هذا اللجاج والإصرار على البهتان . 

لدى الجميع العلم والمعرفة الكافية بالدين للرد على من يتصدرون للدفاع عن هكذا تجاوزات لكن الى أين ستقودنا مثل هذه السجالات؟   

لا ينقص من قدر الشيخ عبدالله أن يرُاجع ويتراجع وأن يتم تخطئته، فما هو بالمنزه ولا المعصوم، ويقيني أنه تعسف وجار وتجاوز أدب الخطبة والجمعة كصلاة مدنية عامة تجمع ولا تفرق، واساء لروح المسجد ووقاره ومكانته ومهابته ولم يراع مقتضيات المنبر الجامع وقذف الجامعة و ما جمعت وجمع بين بوائق كثر . 

وغطى بفاحش القول ومنكر الوصف في خطبته الزاعقة على ما كان أنكره وعده الخطب الأعظم .   

 الأمر ليس مجرد انتقاد يندرج تحت دعوى الحرية، ثمة فرق بين من ينتقدك باسم الله والدين والأخلاق وكل المطلقات، ومن ينتقدك بعقلانية وموضوعية وبعيدا عن التجريم والتحريم والتأثيم وادعاء القداسة واحتكار الحق والحقيقة والإعتقاد بتمثيل المقدسات وحراسة الثوابت وحماية الفضيلة والتعامل مع الناس بشك وارتياب ومخاطبتهم بتعال وانتقاص وترصد ووضعهم  تحت المراقبة الدائمة، " لست عليهم بمسيطر " ولا بوكيل .   "وادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" . ولا تكون دعوة مالم تقتض القبول أو الرفض، هكذا بحرية ولو كانت قسرا واكراها لما كانت دعوة تستوجب النهوض باعبائها والقيام بموجباتها والتزام آدابها، ومراعاة حق الداعي والمدعو في آن .    

مش غلط أن نراجعك ياشيخ، بأدب والتزام وبدون سفه وحمق وبرصانة وبتواضع، مش غلط أن نستدعي فيك روح الأب الإنسان الحاني القريب من أبنائه والناس جميعا، يقول إبن القيم في فوائده لحظة كشف  " اذا اردت طلبي فاطلبني منك، لا تطلبني من أحد غيرك فأنا اليك منه أقرب"  الله في قلوبنا ليس بعيدا كي نستدعيه بالصراخ والتخويف واثارة الفزع ، كان المصطفى " رسولا منهم "  يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة" 

جاء الإسلام ليزكي إنسانيتنا وعقولنا وارواحنا، ليزكي حريتنا وقدرتنا على الإختيار .   

تعلمنا من الشيخ عبدالله منذ البواكير وله فضله ومكانته، ولا نطعن في صدقه، لكن ونحن تلاميذه بالأمس نجد أن لدينا ما نقوله له بدون ريبة متبادلة أو إدعاءات تبخيسية. نريد أن نتحدث معه بحرية وتلقائية وقرب بدون وصاية أو شعور بالأفضلية، نود أن نشعر بأننا نتحدث مع ارواحنا بلا حواجز ولا مخاوف ولا تشنجات ولامصادرة ولا مسارعة للإتهام والتشهير وهدر للكرامة.  

لدينا تباينات وخلافات في الفهم حول قضايا كثر، تتعلق بالدين والتدين والحرية والحق والأخلاق والمراقبة والعقاب، والتاريخ والإسلام والعلم والمعرفة والواقع والدولة والنظام وما هو الدين وما هو فهمك ووهمك وأين وقفت وأين نسير؟ وربما اتسعت قائمة الاختلاف أكثر وهو ما يستوجب نقاشات وحوارات مفتوحة لا تقف عند القشور ولا تضيق بالأراء والأفكار والتصورات . 

لا أحد سعيد بهذه العلاقة النكدة بين الشيخ والفضاء العام. ومش غلط أن نقر بأن لا احد يملك ادعاء الكمال والصواب . 

للوعظ -في اعتقادي. تأثيراته السلبية على عقل الواعظ ولغته وسلوكياته، ومن ذلك اعتماد الواعظ على الحفظ وتعطيل وعيه وادراكه، ليغدو الأمر اجترارا متواصلا للمواريث والمتون والفهوم والأقوال. بلا تجديد ولا تحديث ولا تغيير، ولا انفتاح على المشارب والموارد والروافد والإضافات المتواصلة، وهذا مما يرتب مسافة بين الواعظ  والزمن بناسه وبمتغيراته ومستجداته وحركة الواقع وتطوره. 

ومن ادواء الوعظ الغيرية حيث الخطيب على الدوام يخاطب غيره، يتوجه الى سواه، الى الجموع المنصته، وهو  ما يجعل ذاته غير منظورة الى حد كبير، لهذا نجدهم غالبا  عصيين على النقد والإصغاء لمن يخاطبهم منتقدا او منبها او مشيرا الى بعض الهنات. مع وجود استثناءات بالطبع،

ومن ادواء الوعظ والخطابة ارتفاع الصوت وحدته وعلوه ، وارتفاع نبرته، يعمل المنبر العالي على تكريس علاقة متوترة، طرفاها: داعية ومدعو، خطيب ومخاطب ، واعظ ومقصود بالموعظة ومطالب بالإتعاظ ، هذا التكريس للتفاوت يربك التواصل الإنساني، ويفضي الى حالة من التباعد والتنافر وعدم الإرتياح . ومن أدواء الوعظ والخطابة  أن يصير الأمر مهمة ووظيفة وأدا دور  وتعبير عن عوالم  منقطعة بحيث يفقد الواعظ صوته وذاته وايقاعه الخاص ورؤيته ولغته وينقطع عن واقعه ، فتنتفي الروح المشتركة ، وتفسد لغة التفاهم والحوار، وتتسع الهوة بينه ومحيطه, ويزداد التباين والخلاف.

  بودنا ياشيخ أن نراك حيث نفتقدك بالفعل، بعيدا عن المهاترات ونداءات الحرب والنفير  والإستعداء ، والإتهامات الموزعة على هذا وذاك، واستخدام المنبر للتفسيق والتشهير والتحريض، منطلقا من مركزية طاغية ، ويقين بالفوقيةوالطهرانية والإصطفاء  والصدور عن الله في كل فعل وقول ولوكان شتيمة مقذعة ومحض سباب . 

الحجر الصحفي في زمن الحوثي