ماهي معركة البشر اليوم؟

أنور العنسي
الاربعاء ، ٠٦ سبتمبر ٢٠٢٣ الساعة ٠٤:١٨ صباحاً

 

إهدار  الكثير من الوقت في الجدل بين الدين والإلحاد، أمرّ ماضويٌ مستهلكٌ، مثيرٌ للإشفاق على أصحابه.

إنفاق الكثير من المال لإحياء أو إعادة قتل الأجساد التي شبعت موتاً سواءٌ بالمدحِ أو القدح ، مسألةٌ لم تعد ذات شأن أمام ما تواجهه الأجيال الحالية والقادمة من تحديات مستقبلية تتطلب منها المجابهة بوسائل مختلفة ،واقعية معاصرة، واستباقيةٍ خلاقة.

أن يخرج من هذه العشيرة العدنانية أو تلك القبيلة القحطانية شابٌ أو شابةٌ يريدان لفت الانتباه إليهما أو طائفتيهما بإثارة الجدل عبر إلباس التاريخ باللون الفكري الذي يريدانه ، هذا زمنٌ إنتهى.

الانشغال بمعركة الجسد بين الحجاب والتعري، أصبح أيضاً مسألة مثيرة للخجل والقرف والاشمئزاز .

أمام أحفادنا اليوم مهمة مختلفة ، صعبة للغاية، واستراتيجية لابد من العمل عليها بوعْيٍ وهِمَّة، تكمن في كيفية شحذ الخيال العلمي الممنهج بالبحث الجاد في الطبيعة عما يمكن أن يكون موارد ومواد خام لصناعات المستقبل وحروبه الجديدة المقبلة.

لا مستقبل بعد أعوامٍ للنفط أمام مشاريع الطاقة البديلة المتجددة، ولا حتى لغابات الدبابات والمدافع التي صدِأت وأكل عليها الدهر وشرب بعد زمن الصواريخ الموجهة والطائرات المسيرة بالريموت.

قنابل المستقبل الموقوتة هي الأسلحة البيولوجية التي باتت كامنة في الأغذية والأدوية الملغومة المصدرة بهدوء وغطاء تجاري لا يخضع لرقابةٍ تامةٍ أو كافية، هي الهجمات السيبرانية على أنظمة المعلومات بين الدول والحكومات والشركات والبنوك.

التباري الحقيقي ليس في مساحات الكلام الديماغوجي والمعارك الافتراضية الممجوجة بل في ميادين الإبداع والابتكار  الذي يصنع الفارق في حياة الشعوب والأمم.

الجيِّد في ما نتعلمه من التاريخ هو أنه لا يوجد تاريخٌ أصلاً. إجتهد كثير من العلماء والبحاثة الجادين لتأسيس ما يمكن وصفه بـ (علم التاريخ) وحاولوا في ما سعوا إليه تحليل وترتيب تراكم وتسلسل الأحداث والوقائع عبر العصور ، لكنها في النهاية كانت مجرد مصادفات وفي أحسن الأحوال محاولات ينقصها المنطق والأسانيد والوثائق التي تسمح بتأسيس ما يمكن اعتباره علماً.

يدهشني في هذا السياق مثلاً أن لا يتكلم البعض بثقةٍ عن الحاضر ، لكنه يتحدث عن أمكنة قديمة ، وعن أزمنة سحيقة كما لو أنه عاد منهما للتو.

لدي شكٌ كبيرٌ في أن كل ما تلقفه جيلنا من قصص كان صحيحاً ، ولهذا أتصور أن التاريخ هو مجرد وَهْم ، بناءٌ هلامي من الأفكار ينشغل به الناس ، وينصرفون عن الذهاب إلى مابعده.

ليساعدني بعضكم في الإتيان بواحدة من تلك القصص ساعدت الإنسان في الذهاب إلى تصور محدد لمستقبله على نحو تراكمي ، ولم تشكل عائقاً له في التقدم على هذا الطريق.

في كثير من الفلسفات يتحدثون عن ضرورة (قتل الأب) والمعنى هنا هو التخلص من (قوة العادة) والتحرر من (ديكتاتورية الذاكرة) والذهاب إلى ما يمكن وصفه بمنح الإنسان طاقةً متجددة لفهم تغيرات الحياة.

في ظل التداخل المعقد اليوم في العالم بين المجتمعات والسياسات والمصالح يحتاج البشر إلى طريقة أفضل للتفاهم عبر تعلم اللغات وتبادل المعلومة والمشاركة في الخبرة وصولاً إلى عالمٍ مختلف لعالَمِ ما بعد المعلوماتية والإنترنت ، وهذا ما أتصور أنه سيحدث بسبب التقدم الهائل للتكنولوجيا بوصفها أداة لإنتاج الجديد من المعرفة.

لن يصلح الحال إلاَّ بعد مراجعةٍ جادةٍ وشجاعة، لغربلة التراث حتى يذهب الزبد ويبقى ما ينفع الناس!

لعل تلك أهم وصايا ما قبل فوات الأوان، والسلامُ لمن يفهم الكلام!.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي