بينما نئنّ هنا في اليمن تحت وطأة صراعات مُستمرة وتدخلات إقليمية ودولية، تأتي الأخبار من بعيد لتُذكرنا بأن جراح العالم تتسع، وأن بؤر التوتر تتكاثر بشكل مُخيف. فها هي كشمير، تلك البقعة المتنازع عليها بين الهند وباكستان، تتحول مرة أخرى إلى برميل بارود مُشتعل، بل ربما إلى فتيل يُهدد بإشعال حرب إقليمية مُروعة ذات أبعاد نووية.
ما كنا نخشاه قد وقع. فبعد أسابيع من التصعيد الكلامي وتبادل الاتهامات، أقدمت الهند على خطوة خطيرة بإعلان "عملية سيندور" العسكرية التي استهدفت أراضي باكستان وكشمير. هذه ليست مجرد مناوشات حدودية اعتدنا عليها في نشرات الأخبار، بل هي قفزة نحو المجهول، نحو صراع مُحتمل بين دولتين تمتلكان القدرة على تدمير ذاتيهما والعالم بأسره.
الضربات الهندية التي طالت مناطق مدنية ومساجد، تحت ذريعة استهداف "بنية تحتية إرهابية"، تُثير قلقًا عميقًا حول النوايا الحقيقية لهذه العملية وتوقيتها المُستفز. وكأن لغة الحرب لا تعرف حدودًا أو حرمة للأرواح والمقدسات.
لم يكن الرد الباكستاني مُستغربًا، فالوعد بالانتقام وإسقاط مقاتلات هندية يُنذر بتصعيد سريع وخارج عن السيطرة، وهو سيناريو مألوف لنا هنا في اليمن، حيث تتدهور الأوضاع الأمنية بشكل مُتسارع مع كل فعل ورد فعل.
الأكثر خطورة هو استخدام سلاح المياه كورقة ضغط. قرار الهند بتعليق معاهدة المياه مع باكستان ليس مجرد إجراء عسكري، بل هو تهديد وجودي لملايين الأشخاص الذين يعتمدون على نهر شيناب. هذا التكتيك البغيض يُذكرنا بالحصارات التي شهدناها ونشهدها هنا، والتي تُستخدم فيها لقمة العيش كسلاح لإخضاع المدنيين.
ردود الفعل الغاضبة من الجانبين، من إغلاق المجال الجوي إلى طرد الدبلوماسيين، تعكس حجم الكارثة التي تتشكل. وكما هو الحال في العديد من الصراعات، يصبح المدنيون في كشمير هم الضحايا الأبرياء، يفرون من منازلهم بحثًا عن الأمان في ظل القصف والمعارك الوشيكة.
إن ما يحدث في كشمير ليس مجرد صراع ثنائي بين دولتين، بل هو اختبار لإنسانيتنا وقدرتنا على التعلم من أخطاء الماضي. فالعالم الذي وقف متفرجًا على تدهور الأوضاع في اليمن وسوريا وغيرها من بؤر التوتر، لا يمكنه أن يسمح بتكرار السيناريو نفسه في منطقة حساسة كهذه.
السؤال الذي يلحّ علينا هنا في اليمن، ونطرحه على العالم أجمع: هل سيتحرك المجتمع الدولي بجدية هذه المرة لوقف هذا الجنون قبل فوات الأوان؟ هل ستتغلب لغة الحكمة والدبلوماسية على شهوة الحرب والانتقام؟ أم أننا سنشهد فصلًا جديدًا ومُظلمًا في تاريخ الصراعات، فصلًا قد يكون الأخير؟
لا نملك هنا في اليمن، المثقلين بجراحنا، سوى أن نراقب بقلق بالغ وندعو أن يلهم الله قادة العالم الحكمة والشجاعة لانتشال جنوب آسيا من حافة الهاوية، وأن يتعلموا من مآسينا قبل أن يصبح الندم بلا جدوى. فلهيب كشمير المُتصاعد قد يحرق الأخضر واليابس، ولن يسلم من ناره أحد.
-->