التعليم رسالة وليس مادة..

د. محمد شداد
الاثنين ، ١٢ سبتمبر ٢٠٢٢ الساعة ٠٦:٤٥ صباحاً

 التعليم والتربية والارشاد رسائل الأنبياء وأهداف الرُسل ولم تكن يوماً مصدراً للتكسب المادي، المجرد من القيم ومصدراً من مصادر العيش والاعتياش على مواجع الباحثين عن المعرفة دون أخلاق، أفنى علماء الإسلام قديمهم وحديثهم أعمارهم في خدمة العلم ولم تكن المادة يوماً هي الحادي لآمالهم في الحياة.. بل استعذبوا الفقر واشتغلوا في حِرَفٍ بسيطة ليسدوا فاقاتهم وما يستر عوائلهم من الفقر وتكفف أصحاب الدثور، وحملوا شرف الرسالة التعليمية وفاخروا بها، وخُلدت صفحاتهم موسوعات ومصادر ومؤلفات لا زالت تمثل مناهلاً  للعلم ومنارات للهدى يهتدي بها المسلمون من القرون الإسلامية الأولى وحتى الساعة..

حمل أجدادنا تلك المنارات التربوية والأخلاقية معهم حينما يمموا وجوههم صوب الشرق وصولاً إلى ماليزيا وماجاورها من البلدان وجسدوها في سلوكياتهم وكان خطابهم مطابقاً لسلوكياتهم وبسببهم دخلت الشعوب في دين الله أفواجا، كما أننا لا زلنا نعيش على طيب سمعتهم ونمرح في مجتمعات الشرق بما تركوه من تاريخٍ مشرِّف، وقيم لازالت الأجيال تحذوا حذوها، إلا ما اندثر منها بسبب الطغيان المادي واحتكاك الأجيال بثقافات باقي الشعوب..قيل بأن التاجر اليمني في بلاد الملايو كان إذا استفتح يومه وباع من غده وتحركت يده بالرزق ولم يذهب إلى جاره أحد يدفع بالمشترى للشراء من جاره لأنه لم يستفتح حتى يعم الخير ويذهب الحقد وتنتفي أسباب الخصومة والشقاق..

مجتمعات بنت دورها ومدارسها ومعاهدها بطوبها الطيني وأحجارها ولم تبنها بأحجار غيرها أو تقيم مبانيها على أنقاض مدارسٍ أخرى، زينوها بألوان المعرفة الحقيقية وأنيرت بمصابيح العفاف وشرف المهنة، وزهد الأرواح التي لم تدفن تحت الثرى..فصارت نماذجاً ومضارب للمثل تتغنى بها الأجيال جيلاً بعد جيل.. كانوا علماء ومعلمين طافوا الدنا عبر العصور وقف الناس لهم إجلالاً وقبَّل الطلاب جباههم احتراماً وفرشوا لهم أعينهم طواعيةً وطافوهم بأهدابهم ووضعوهم في حدقات العيون، لماذا؟ لأنهم صدقوا فصُدِّقوا وعملوا فأخلصوا ولم يبحثوا يوماً عن الدراهم والدنانير وباعوا دينهم بدنياهم لأن حب المال كما قيل يلوي أعناق الرجال..

وما يمارسه بعض الذين خرجوا من اليمن كباحثين عن المعرفة وحصد الشهادات الكرتونية بدايةً للحصول على الوضيفة والاقتيات، تجردوا من المعاني السالف ذكرها فباتوا حُطَّاب ليل وفؤوسٍ تقطع وسكاكين تنزع حلالاً وحراما.

باتوا ألسن تلتوي ثم تكذب وقلوباً  تنافق ثم تغدر ووجوه تتلون  ولو قيل لهم أن في البحيرة الآسنة درهماً لقفزوا وغاصوا لحاقاً به والنجاسات لها أدواتها، المؤسف كما يبدوا أن الأوئل أدخلوا الإسلام في شعوب الشرق وحملوا قيمه بأمانة والمتأخرين كما قال أحد مدرسي الجامعات الماليزيين سيحملونه إلى بلدانهم معهم أثناء العودة.. فتلك الممارسات تمس سمعة اليمنيين جاليات مكونا وأعمال تجارية وعليه فمن حق أي مواطن وفقاً لقوانين الحسبة الوقوف ضد مرتكبيها من خلال الرفع عبر القنوات القانونية والدبلوماسية لأنها تشوه سمعة الجميع ولا تستثني أحدا..

تناسى المرابون أن التربوي هو مربي الأجيال وصاحب المهنة الشريفة التي تعتبر الركيزة الهامة في تقدم الأمم والشعوب. وقد استمرت النظرة الإيجابية لليمني حتى وصلت للمفهوم الحديث الذي يعتبر جسراً للتواصل ورسولاً للقيم وقدوة يمثل دعامة أساسية من دعامات الحضارة العربية والاسلامية،  فهو صانعاً للأجيال كمربي وناشر للقيم كرجل أعمال ورائد للفكر في الجامعات كباحث ومؤسس للنهضة عند عودته للوطن.

وعليه فاليمني لعب ويلعب العديد من الأدوار قديماً وحديثاً في بلاد المهجر من أهمها نقله للمعرفة، باعتباره راعٍ شاملٍ للطلاب تحت مسؤوليته إذا كان معلمًا أو محاضرًا أو خبيرًا في مهنة أو تقنية من التقتيات،  كما أن مسؤولية الانضباط وحفظ النظام واحترام القوانين لدى الشعوب الأخرى مسؤولية ورسالة تعكس صلاح ووعي وأمانة دينية ومعرفية للمجتمع الذي قدم منه.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي