سياسة أقلمة الإقتصاد لمواجهة تدهور المعيشة إثر الحرب باليمن

د. شريفة المقطري
الخميس ، ٢٥ أغسطس ٢٠٢٢ الساعة ١١:٥٢ مساءً

 

يلعب الإقتصاد في ظل الحروب والصراعات دورا أساسيا في صناعة القرارات الدولية في البلدان التي تعاني من الحروب الداخلية ،، فهي تظل العنوان الأبرز في المؤتمرات الدولية واجندتها لارتباطها الوثيق في ديمومة الصراعات او انهاءها وهي تعد الشكل الجديد لما يسمى " بالحروب الجديدة" اليوم ، فقد اختلفت  اشكالها وخصائصها تبعا لرودات الحروب على المستوى المحلي والدولي.

عانى اليمن خلال ثمان سنوات من تدهور إقتصادي على المستوى المعيشي والبنية التحتية والقطاعات الاقتصادية حيث يصل حجم خسائر اليمن إثر الحرب إلى مايقدر بين ١٧٠ الى ٢٠٠ مليار دولار من الناتج المحلي للفترة مابين ٢٠١٥ و ٢٠٢٢م بحسب تقرير مركز الأبحاث العربي "عربية برين ترست" لم تغطي المساعدات الإنسانية منه سوى ٢٠ مليار دولار ناهيك عن النسب المرتفعة والمروعة للمجاعة والنزوح وانهيار قيمة الريال اليمني.

 

- سياسة تنمية المجتمع المحلي لمواجهة انعكاسات الحرب يحتاج اليمن في هذه المرحلة الانتقالية الحرجة إلى ضرورة العمل على إضفاء الطابع الديمقراطي المحلي على التنمية لمواجهة التغيير الاجتماعي إثر الصراع وبمايتناسب مع البيئة الاجتماعية التاريخية للبلد والذي يمتاز بإمكانيات تقديم ثورة التعاونيات المحلية بشكلها البسيط والتي احدثت نقلة نوعية لمواجهة التحديات والتي أدهشت العالم كالتي أحدثها في تلك الفترة الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي في قياداته مؤسسة المجلس الرئاسي لما بعد الفترة الانتقالية لثورة ٢٦ من سبتمبر ١٩٦٢م.

يرى مراقبين إقتصاديين يمنيين ودوليين أن التوجه إلى هذه السياسة الاقتصادية الديمقراطية التي تعتمد على إدارة الأقاليم بالاعتماد على انتاج المجتمعات المحلية من شأنها أن توفر بيئة أكثر مرونة في مواجهة تحديات صدام الحرب والازمات السياسية  ووصاية بيروقراطية لوردات النخب السياسية و الهيمنة الدولية سواء للتحالفات او المساعدات الإنسانية المتحكمة في ملف النزاع باليمن ، وهي الطريق الأنسب لاستعادة القوة الذاتية انطلاقا من القاعدة إلى القمة،، بمعنى من الأقاليم والسلطة المحلية انطلاقا إلى المجلس الرئاسي وحكومته. وهذا يمكن تطبيقه عبر مجلس امتلك سبع نواب لهم امكانيات إدارة الاقاليم او المحافظات الخاضعة تحت سيطرتها إن امتلكت رؤية وتخطيط ببصيرة العودة إلى الذات وتحرير اليمن من الخضوع للبند السابع والوصاية الدولية فتمتلك قدرة للتحكم كمصر مثلا وبشراكة حميدة مع الحلفاء.

- فشل رهان ربط التنمية بشرط تحقق السلام

إن إطالة أمد الحرب باليمن رغم إمكانية التفاوض على السلم الاقتصادي في كافة المناطق والمدن اليمنية المحررة والغير محررة أدت إلى اتساع رقعة التشوه الاقتصادي و ارتفاع كلفة الحرب سواء على السلطة الشرعية وتحالفه العربي وكذلك الراعيين لمبادرات السلام الأمريكية والأوروبية. فالمنهجيات المركزية المتبعة من القمة إلى القاعدة مثل محادثات السلام الوطني، واستراتيجية إعادة توحيد البنوك المركزية، ومفاوضات حل القيود المفروضة على التجارة والواردات في ظل الحرب والانقسام ودمج المليشيات تحت مؤسسة عسكرية موحدة تتبع الدولة وفق اتفاق جدي لايمكن تطبيقه إلا خلال جهود لسنوات طويلة لايمكن التنبؤ بها رغم ضرورتها وأهميتها للاستقرار الاقتصادي للبلاد.

إن الاعتماد الكلي للتنمية واعادة الاعمار ودفع الضمانات الدولية وفق منظور تحقق شرط السلام في اليمن  بات مكلفا للمواطنين وشبه مستحيل وفق افرازات واقع ثمان سنوات حرب عمل على إحلال التناقضات السياسية المحلية والدولية لتوظيف ثروات اليمن "كخزان سوق سوداء عالمي" لرفد الأزمات الدولية في ظل غياب الدولة وتحكم المليشيات الحوثية والحزبية بدليل الواقع الجديد لصراعات القوى العظمى وفرضها الحصار الاقتصادي المترافق مع الحرب الروسية الأوكرانية وازمة الغاز والبترول في كل من أوروبا وامريكا و سياسة الأوبك الجديدة نحوها.

 

- توصية

على اليمن قيادة مسار التنمية المحلي الخاص به ليتمكن من تحصين نفسه لما هو أسوء ولملمة أزماته للاندماج الاتحادي عبر مجلسه الرئاسي للخروج  بأقل الخسائر والنكسات ، فعليه إنتاج أنواع متعددة من مخرجات الإنتاج المحلي من الأغذية والنشاط الزراعي والصناعي الذي سيقلص الخسائر مقارنة بالمستويات الضئيلة في وقت النزاع فالترشيد للنفقات بدون مصدر تنمية ذاتي غير كافي. سيوفر عبر خفض الإنفاق من استيراد الديزل ما يقارب من 1.1 مليار دولار من الاحتياطيات النقدية الأجنبية الصعبة والتي ستعزز استقرار الريال اليمني وكذلك خفض أسعار الأغذية المستوردة.

علينا استيعاب الخصوصية للبيئة الاجتماعية اليمنية تاريخيا وثقافيا وجغرافيا واستغلال موقعها الاستراتيجي على مفترق طرق التجارة العالمية، وإمكاناتها كمنتِج ومصدر للطاقة المتجددة، والنسبة المرتفعة لفئة الشباب العمرية كثروة عاملة والرأس اليمني المهاجر عند التخطيط لمواجهة تحديات انعكاسات الحرب باليمن عبر تخفيز سمات المجتمع المحلي الذي نمتلكه  وادارة الأقاليم وفق رؤية للانتعاش الخدمي وليس التطبيع السياسي للمتنفذين هذا من شانه أن يوفر بيئة خصبة لتطبيق السلام باليمن فالمشكلة اليمنية هي مشكلة فساد بدرجة أولى. وعندما يجد المواطن فرص عمل وخدمات متاحة بمنطقته ستذوب اثرها كل المشاريع السياسية الدخيلة فالجميع مؤمن بالثوابت الوطنية.

 إن الانتقال إلى توحيد الجهود عبر سياسية العودة إلى مركزية الادارية في ظل تهدئة  الهدنات وتوجس الانفجار من كل طرف لن نصل عبرها إلا إلى مزيد من التطرف والتعصب وتشعب مسالك الحرب المفضي إلى اللاسلام وعدم الاستقرار باليمن. على المجلس الرئاسي التعامل بمرونة واستغلال طبيعة شكل الأقلمة وتوزيع الأدوار التابعة لها وفق رؤية رأب الصدع من القاعدة إلى القمة في المناطق التي تحت سيطرتها ومن ثم الانتقال إلى مهمة استعادة مؤسسات الدولة وهي تملك شكل مجلس اتحادي فاعل تديره مطور لشكل مجلسها الرئاسي.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي