الفقه المغلوط وعقلية القطيع، هما المحددان الأبرز لكوارث أمة الرسالة الخاتم لدين الإسلام، عبر عصورها المختلفة، فهما سبب حروبها البينية، وسقوط دولها، ودمار نهضتها وحضارتها، واستعمارها وما حروبها العنصرية والمذهبية، التي دمرت العراق وسوريا ولبنان واليمن، وحروب التطرف والارهاب، غير توظيف للفقه المغلوط بعنوانه الأبرز ولاية الفقيه وحق البطنين في السلطة والثروة والخلافة.
اليوم يعيش العالم الإسلامي تكرار لمأساة تخلفه وتأثير الفقه المغلوط على العقل الجمعي للأمة، بالاحتفال بعاشورا بطريقتين مختلفتين، ما بين سنة يحتفلون بالصوم بنجاة رسول الله موسى عليه الصلاة والسلام، معتقدين أن الصوم يكفر أعمال الصائم لسنة خلت، وبين شيعة يعاقبون أنفسهم بالضرب والبكاء على مقتل الحسين رضي الله عنه وتفريطهم به، معتقدين أنهم بهذا العمل سيعيدون الحسين ونصره، وما بين الصوم والعقاب ضاع الله ورسوله الخاتم ودينه الحق، وتاهت الأمة ويتكرر هجرها لكتاب الله، والمحتفلين بالصيام يستندون على مرويات منسوبة لرسول الله، وكذلك المحتفلون بالضر ب والبكاء يستندون على مرويات منسوبة لرسول الله، فأيهما الصحيح مرويات الصوم أم المعاقبة. وكل المرويات بصومها وعقابها لا أصل لها في دين الله بوحي تنزيله بكتابه، تأملوا حقيقة التوبة وأن صوم عاشورا لا علاقة له بتكفير ذنوب عام مضى:
الله سبحانه وحده يكفر السيئات للذين أمنوا بالله وعملوا الصالحات وليس صيام عاشورا ﴿وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنۡهُمۡ سَیِّـَٔاتِهِمۡ وَلَنَجۡزِیَنَّهُمۡ أَحۡسَنَ ٱلَّذِی كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ﴾ [العنكبوت ٧] ﴿لِیُكَفِّرَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ أَسۡوَأَ ٱلَّذِی عَمِلُوا۟ وَیَجۡزِیَهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ ٱلَّذِی كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ﴾ [الزمر ٣٥] وفي الأخرة تشهد اعضائهم بما عملوه ويحاسبون عليه فلم يلغي صوم عاشورا حسابهم ولا كفر سيئاتهم. ﴿حَتَّىٰۤ إِذَا مَا جَاۤءُوهَا شَهِدَ عَلَیۡهِمۡ سَمۡعُهُمۡ وَأَبۡصَـٰرُهُمۡ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ﴾ [فصلت ٢٠] ويحدد الله طريق التوبة بصدق وحيه بقوله ﴿إِنَّمَا ٱلتَّوۡبَةُ عَلَى ٱللَّهِ لِلَّذِینَ یَعۡمَلُونَ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَـٰلَةࣲ ثُمَّ یَتُوبُونَ مِن قَرِیبࣲ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ یَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَیۡهِمۡۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِیمًا حَكِیمࣰا *وَلَیۡسَتِ ٱلتَّوۡبَةُ لِلَّذِینَ یَعۡمَلُونَ ٱلسَّیِّـَٔاتِ حَتَّىٰۤ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلۡمَوۡتُ قَالَ إِنِّی تُبۡتُ ٱلۡـَٔـٰنَ وَلَا ٱلَّذِینَ یَمُوتُونَ وَهُمۡ كُفَّارٌۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابًا أَلِیمࣰا﴾ [النساء١٧ ,١٨].
ويحدد الله جازماً بأن عمل الخير والشر يُجزى بهما الإنسان يوم الحساب يقول سبحانه ﴿فَمَن یَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَیۡرࣰا یَرَهُۥ *وَمَن یَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةࣲ شَرࣰّا یَرَهُۥ﴾ [الزلزلة ٧ ، ٨] ولا علاقة لمقتل الحسين في دين الله، فمن هو اعظم عند الله والمسلمين محمد الرسول والنبي ومُبَلّغ الوحي أم السبط الحسين، فقول الله واضح في رسوله ونبيه (ص) ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولࣱ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُۚ أَفَإِی۟ن مَّاتَ أَوۡ قُتِلَ ٱنقَلَبۡتُمۡ عَلَىٰۤ أَعۡقَـٰبِكُمۡۚ وَمَن یَنقَلِبۡ عَلَىٰ عَقِبَیۡهِ فَلَن یَضُرَّ ٱللَّهَ شَیۡـࣰٔاۗ وَسَیَجۡزِی ٱللَّهُ ٱلشَّـٰكِرِینَ﴾ [آل عمران ١٤٤].
هذه المرويات المغلوطة أخرجت الأمة من دينها الحق إلى دين الفقه المغلوط، ومن الحضارة والريادة إلى التخلف والتبعية، هي جزء من المكر الذي تزول منه الجبال وأشار الله إليه ﴿وَقَدۡ مَكَرُوا۟ مَكۡرَهُمۡ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكۡرُهُمۡ وَإِن كَانَ مَكۡرُهُمۡ لِتَزُولَ مِنۡهُ ٱلۡجِبَالُ﴾ [إبراهيم ٤٦] لقد كَوّنت وشَكّلت مرويات الفقه المغلوط وعي وعقل الأمة، وما تعيشه اليوم نتاج هذا التكوين، الذي وجدوه في تراث الأباء من فقه مغلوط ، لم نعيده لوحي الله بدينه الحق، معتقدين خطأ بأنه من الدين، منساقين بداء الأبائية التي نهى الله خلقه من اتباعها، كونها كارثة الإنسان وسبب ضياعه في الدنيا والأخرة، وإن قيل لهم اتبعوا دين الله واتركوا مرويات الفقه المغلوط، يردون بأن هذا مدون ومنسوب بأنه قول رسول الله، غير مدركين أنه محال أن يقول رسول الله، قولاً يخالف وحي كتاب الله الذي بَلّغه.
وموقفهم هذا وصفه الله بقوله ﴿وَإِذَا قِیلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُوا۟ مَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُوا۟ بَلۡ نَتَّبِعُ مَاۤ أَلۡفَیۡنَا عَلَیۡهِ ءَابَاۤءَنَاۤۚ أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَاۤؤُهُمۡ لَا یَعۡقِلُونَ شَیۡـࣰٔا وَلَا یَهۡتَدُونَ﴾ [البقرة ١٧٠]، هو سلوك عقلية القطيع يمارس هنا، والذي استنتجته العلوم الإنسانية في عالمنا المعاصر، وعقلية القطيع مصطلح يطلق على سلوك الأشخاص في الجماعة عندما يقومون بتقليد السلوك الجمعي للجماعة التي ينتمون لها دون تفكير وعقل وتخطيط، والفكر الإنساني يؤكد صدق وحي الله يقول شارلز بوكوفسكي،(أينما يذهب الحشد، اذهب في الإتجاه المعاكس، إنهم دومًا على خطأ) (إنِّي أخاف من قطيع من مائة نعجة يقوده أسد، أكثر من خوفي من قطيعٍ من مائة أسدٍ تقوده نعجة) هاري ترومان. (إن القدرة على التمييز بين الخير و الشر تكمن في عقل الإنسان ، لا في المجتمع ) جوستاين غاردر.
وقال وحي الله قبلهم جميعاً منذ أكثر من 1400 عام ﴿وَلَقَدۡ ذَرَأۡنَا لِجَهَنَّمَ كَثِیرࣰا مِّنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِۖ لَهُمۡ قُلُوبࣱ لَّا یَفۡقَهُونَ بِهَا وَلَهُمۡ أَعۡیُنࣱ لَّا یُبۡصِرُونَ بِهَا وَلَهُمۡ ءَاذَانࣱ لَّا یَسۡمَعُونَ بِهَاۤۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ كَٱلۡأَنۡعَـٰمِ بَلۡ هُمۡ أَضَلُّۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡغَـٰفِلُونَ﴾ [الأعراف ١٧٩] ﴿أَمۡ تَحۡسَبُ أَنَّ أَكۡثَرَهُمۡ یَسۡمَعُونَ أَوۡ یَعۡقِلُونَۚ إِنۡ هُمۡ إِلَّا كَٱلۡأَنۡعَـٰمِ بَلۡ هُمۡ أَضَلُّ سَبِیلًا﴾ [الفرقان ٤٤] ﴿أَمِ ٱتَّخَذُوا۟ مِن دُونِهِۦۤ ءَالِهَةࣰۖ قُلۡ هَاتُوا۟ بُرۡهَـٰنَكُمۡۖ هَـٰذَا ذِكۡرُ مَن مَّعِیَ وَذِكۡرُ مَن قَبۡلِیۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا یَعۡلَمُونَ ٱلۡحَقَّۖ فَهُم مُّعۡرِضُونَ﴾ [الأنبياء ٢٤] ﴿أَمۡ یَقُولُونَ بِهِۦ جِنَّةُۢۚ بَلۡ جَاۤءَهُم بِٱلۡحَقِّ وَأَكۡثَرُهُمۡ لِلۡحَقِّ كَـٰرِهُونَ﴾ [المؤمنون ٧٠]
هنا تكمن إشكاليتنا بالفقه المغلوط الذي قادنا لعقلية القطيع التي أغلقت التفكير وصادرت العقل، بأكاذيب كعاشوراء والولاية والوصية، والمذهبية والإمامة وغيرها، وكلها لا علاقة لها بالله ودينه ورسوله.
د عبده سعيد المغلس ٧ أغسطس ٢٠٢٢
-->