بايدن في السعودية .. لماذا؟

محمد عبدالله الصلاحي
السبت ، ١٦ يوليو ٢٠٢٢ الساعة ٠٨:٣٩ مساءً

 

بايدن في السعودية، الدولة التي توعد في حملته الانتخابية بجعلها منبوذة، وألحق وعده هذا بآخر، قائلا: إنه لن يلتقي ولي العهد عند زيارته للمملكة؛ ثم بدا في أول حقبته أنه عازم العقد على ترجمة حديثه إلى واقع، لكن الواقع أثبت استحالة هذا، وأنه ليس بمقدوره تحقيقه.

لم يكن أكثر المتفائلين بمواقف بايدن المناهضة للمملكة في حملته الانتخابية وأيام رئاسته الأولى، يتوقع هذا التغيير في مواقفه التي عاد بها إلى وضع طبيعي عُرفت به العلاقة الاستراتيجية بين المملكة والولايات المتحدة، بعد انحرافات من جانب واحد، غير محسوبة المخاطر، ألحقت الضرر بأمريكا أكبر دولة في العالم وأكبرها اقتصادا.

طوال عقود ارتسمت العلاقة السعودية الأمريكية على نحو متساو، وميزان بكفتين متكافئتين، كفة تمثل أمريكا القوة الأكبر في العالم، والأخرى السعودية البلد الأكثر تأثيرا في العالم الإسلامي، إضافة إلى كونها أكبر بلد منتج للنفط، فكانت حاجة كل دولة منهما للأخرى متكافئة، وفق مصالح متبادلة تحقق أهدافهما الخاصة والمشتركة.

استطاعت قيادة المملكة خلال السنوات الأخيرة الدفاع باستماتة عن مصالحها، في وجه هجمات سياسية حاولت استغلال ملفات كثيرة بدءا بقضية خاشقجي، ثم قضايا اُستحضرت فيها مزاعم إنسانية، وحرب اليمن، وغيرها، لم يُترك باب للضغط السياسي إلا تم طرقه في محاولة كبح جماح الاعتداد بالنفس والعزم الذي أبدته القيادة السعودية في سعيها للتغيير الداخلي، وعلى مستوى علاقاتها الخارجية والانفتاح بشكل أكبر على الشرق الطامح في علاقات معها، بدلا عن الغرب الطامع فيها.

بايدن في السعودية، فهل أذعن؟ نعم أذعن لصوت العقل في إدارته والأمر الواقع، فالاقتصاد الأمريكي يعاني أكبر تضخم له منذ أربعين عاما حسب مصادر رسمية، وأسعار الطاقة في تزايد مستمر، ونسب البطالة مرتفعة، والغضب الشعبي يتنامى يوما عن آخر، يبدو المشهد وكأن أمريكا تمضي لأن تعيش حتمية التاريخ التي تؤكد أن الدول تبدأ في الصعود، ثم التأرجح إثر معاناتها في مختلف الجوانب، ثم الهبوط، والمترقبون لمشهد الهبوط الأمريكي على أتم الاستعداد لملء فراغ أمريكا ليس في الشرق الأوسط فحسب، بل في كل العالم. ووحدها السعودية وتأثيرها الكبير في أسواق الطاقة التي تستطيع إعادة التوازن الذي تبحث عنه أمريكا في اقتصادها، وفي التواجد بمنطقة الشرق الأوسط.

تدرك أمريكا أن العالم في طريقه لوجود أقطاب متعددة، فروسيا تعمل على إعادة تموضعها العسكري في الخارطة العالمية بعد انكفاء لمدة ثلاثة عقود، والصين تمضي بخطى متسارعة نحو تعزيز قوتها ومكانتها الاقتصادية، وصولا إلى زعامتها في هذا الجانب الذي يبدو أنه لن يطول حتى يتحقق. وهنا تخشى أمريكا من تضاعف بُعد المسافات مع المملكة، مقابل تقارب المملكة مع روسيا والصين، مما يعطي مساحة أكبر للتواجد الروسي الصيني على حساب التواجد الأمريكي التقليدي في منطقة تتحدد بوصلتها وفقا للسياسة السعودية، لذلك جاءت هذه الزيارة سعيا لردم الهوة، كانت فيها أمريكا ورئيسها الزائر أكثر حاجة من المملكة لتقريب المسافات.

في حقبة أوباما شهدت العلاقات السعودية الأمريكية فتورا تداركه ترمب خلال رئاسته، ثم عاد بايدن في أول سنوات حقبته ليكمل ما بدأه أوباما، غير أنه أدرك باكرا خطأ هذا المسار، وأعاد بوصلته بنفسه قبل أن يتوه أكثر، وهكذا تجارب كفيلة لأخذ العبرة من أي محاولة لتجارب مستقبلية أمريكية مماثلة.

قبل زيارته، كان الرئيس الأمريكي بحاجة إلى إصدار توضحيات تشرح تغييره لموقفه، اختار كبرى صحف أمريكا (الواشنطن بوست) وتناول فيها باستفاضة أسباب الزيارة بمقال تحت عنوان: (لماذا أذهب إلى السعودية)، وما بين أول تصريح له في رئاسته ومقاله، أحداث كثيرة، اتضح له منها أن الصواب هو ودية العلاقة مع السعودية والحفاظ عليها، وليس حدتها والتفريط بها.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي