الصعلكة الأمريكية في شعوب الشرق للمرة الثالثة

د. محمد شداد
الاربعاء ، ١٥ ديسمبر ٢٠٢١ الساعة ٠٧:٥٢ صباحاً

كل ما يجري على الساحة الدولية تحديداً بعد مرحلة الحرب العالمية الثانية كانت أمريكا هي صاحبة القرار الأوحد في صياغة أنظمة الشرق الأوسط والعالم عدى بعض الدول التي ارتبطت وجوداً وعدماً بالاتحاد السوفيتي سابقاً وايديلوجيةً ونظام، وعند دخولها الحرب العالمية الثانية لإنقاذ واروبا عموماً وبريطانيا خصوصاً من النازية الألمانية وهزيمة اليابان ومن ثم نشر قواعدها العسكرية في دول المحور المنهزمة وفي بحار ومحيطات العالم وعلى أراضي الكثير دول العالم الثالث.

عملت على تشجيع الحركات التحررية للخلاص من قبضة فرنسا وبريطانيا الدول الاستعمارية التي سحق سمعتهما هتلر وأرعب قلوبها شعوباً وساسة، بالتوازي مع المد الشيوعي والاشتراكي في دول شرق أوروبا وبعض دول آسيا وافريقيا، كي تحل محل الدول الاستعمارية وتلعب دورها في الهيمنة، على مصادر الطاقة والثروة واستنزاف العالم لصالح شركاتها البرجوازية الاستغلالية بوقاحة لم تراع معها أي حقوق إنسانية أو سياديةً للشعوب.

لعبت على كل المتناقضات التي لا تخطر على بال شياطين البشرية كلها، دعمت أنظمة دكتاتورية مدمرة، في سوريا وليبيا والعراق واليمن وإيران وتركيا وكثير من الدول الأخرى كانت توشي بأي حركة انقلابية على ذات الأنظمة عبر أجهزتها الاستخبارية، وتدعم في ذات الوقت حركات المعارضة لذات الأنظمة بل وتتبناها وتنقذها عند الوقوع في مأزق لا خلاص منه إلا بتدخلها المباشر، أحد النماذج، دعم نظام القذافي وسطوه على السلطة بدايةً غير أنها أفشت سر الانقلاب ضده بقيادة عمر المحيشي في العام 1975م ودعمها للمعارضة الليبية بكل قوة بقيادة محمد المقريف بعد انشقاقه على النظام في العام 1979م ثم تدخلت مباشرة في اسقاطه في أغسطس 2011 بعد تصريح أوباما أنه يجب أن يسقط!! 

 ولا يتسع المجال للتفصيل فيما فعلته مع حركات المعارضة للأنظمة، الليبي والعراقي والسوري واليمني ولسوداني والصومالي والإيراني والتركي وغيرها من الدول المستهدفة، دعمت الثورة المصرية بقيادة نجيب وناصر وهددت بريطانية بعدم التدخل عشية قيامها حتى تقطع يد بريطانية من دول الشرق الأوسط، تدخلت في وقف العدوان الثلاثي على مصر من قبل فرنسا بريطانيا وإسرائيل مُلوحةً بعصى التدخل ليس حباً في مصر وإنما لكسر أنف تلك الدول، وإشعار إسرائيل أنها باتت هي صاحبة القرار في المنطقة وأن شمس من أسسها ودعم قيامها أي بريطانيا قد أفَلَت وأنها هي العراب الأساس لقضايا الشرق الأوسط.  اختلفت مع الزعيم ناصر لتمرده على هواها وسوء فعالها لاحقاً وبسبب توجهه نحو الشرق ودعم منظمة حركة عدم الانحياز العالمية ودعم الحركات الثورية.

دخلت دول الخليج بعد اللقاء الذي جمع الملك عبدالعزيز آل سعود بالقائد الأمريكي روزفلت في عام 1945 على متن إحدى السفن الأمريكية في خليج العقبة وهو اللقاء الذي رسم خارطة التحالفات في الشرق الأوسط، ووضع أسس العلاقات التاريخية بين البلدَيْن، التي ترسخت لا حقاً حتى اللحظة سطت على كل منابع الطاقة التي اكتشفتها بريطانيا، واسست لأنظمتها دولاً وقوى وسمتها المياه الدافئة وهددت بقيام حرب عالمية ثانية إذ مُست من أي دولة أخرى أو تدخلت في شؤونها..

دورات حرب الشعب اليمني كانت وستضل الصدى المسموع للأحداث الجارية على الساحة الدولية، والعكس من ذلك أيضاً صحيح، وفي خطوة متقدمة لقراءة التاريخ السياسي العربي والأحداث المعاصرة على الساحة الدولية وكبار لاعبيها وعرابي الأحدث المفصلية في حروب واستقرار العالم، عكست فعلياً فعلها حول ما يجري في اليمن واتضحت معالمه أكثر في الحرب الأخيرة ولأمريكا في شأنها تاريخ.. تدخلت أمريكا في اليمن عند انطلاق ثورته العظمى في أيلول سبتمبر 1962م دعمت كهنوت الإمامة دعماً  لكل الدول المضادة لتلك الثورة نكاية  بمصر عبدالناصر والمد الاشتراكي في المنطقة وأوعزت لإسرائيل أن تدعم فلول الإمامة بطائرات نقل عبرت البحر الأحمر، ومرتزقتها دعماً مباشراً تم بإنزال جوي للأسلحة والمواد الغذائية في مناطقهم حينها، دعمت نظام صالح وشجعت الثورة ضده وأوصلت الحوثيين إلى صنعا للانقلاب على النظام الجمهوري، ثم مكنتهم من حليفها بالأمس، وهي في حالة عداء مع إيران الداعم والمتبني الرئيس للعصابات الحوثية، ضغطت على الجيش الوطني وأعادته من مشارف صنعاء إلى تخوم مأرب وحذفت الحركة الحوثية من قائمة الإرهاب، في مفارقة سياسية عجيبة لم تحدث في حالات الحروب والمصالح عبر تاريخها.

تدخلت أمريكا في العراق أسقطت نظامه في العام 2003م دون أي غطاء شرعي أو قانوني بذريعة امتلاكها للأسلحة النووية التي كذَّبتها هي ذاتها عند انطلاق حذاء "الزايدي" ليطبع على جبين بوش الصغير وصمة عار لن تنمحي، ستبقى الكذبة الكبرى ما بقيت السياسة وهيمنة اللصوص، فعلاً أعادته إلى ما قبل التاريخ وتحقق تهديد جيمس بيكر لطارق عزيز قبل الانسحاب من الكويت، وأغرقته في عالم من الفوضى دفعت الشعب للبكاء على أمجاد صدام حسين متمنيين عودة نظامه بكل قسوته وما كان يطلق عليه من استبداد وطغيان.. تدخلت في الشأن السوري إبان ثورته على أنها راعية للديموقراطية، والحرية والحقوق الإنسانية ونعتت نظام بشار الأسد بالمستبد والدكتاتور ويجب أن يسقط، استبشرت الثورة والثوار بها خيراً واعتقدوا انها ستكون لهم داعماً وسند تحرك سفيرها "روبرت فورد" في كثير من مناطقها فوجئ الثوار بنزول الجيش السوري بكل طائراته وأسلحته المختلفة استخدمها النظام جميعاً ضدهم بما فيها الأسلحة الكيماوية ولم تتدخل أمريكا صمدت الثورة وكادت أن تُسقِط النظام.

 وإذا بهم يسمحوا لتدخل حزب الله بكل جلاديه لإخماد الثورة رغم أنه على قوائم الإرهاب، تفوقت الثورة عليه دخلت إيران بعلمهم في الحرب ضد الثورة رغم خلافهم المستحكم معها، لم يُفلح دعم إيران لنظام الأسد، اتفقوا بالتدخل مع الروس بشهادة وزير الدفاع الأمريكي "أندروا أكسون" لحماية مصالحهم المشتركة ولإنقاذ نظام الأسد دك الطيران الروسي مدناً على رؤوس أهلها باتت أنقاضاً وركام، بحجة محاربة الإرهاب، تحطمت كل قوانين حقوق الإنسان على صخرة مصالح الساسة الروس والأمريكان وذهبت قيم الدولة الحديثة أدراج الرياح.. استخدم النظام السوري الأسلحة الكيماوية 12 مرة ضد شعبه ولم تحرك أمريكا ساكناً لأن الضحايا سوريين والدم عربي لا قيمة له عندهم، أُحرجت من ذلك وقررت ضرب مطار الشعيرات السوري بـــــ 58 صاروخ من بحريتها، وقبل ثلاث ساعات من الضربة أبلغت السلطات السورية بالعملية فقامت بإخلاء كل ما في القواعد من طائرات وأسلحة وطيارين وقوات مساعدة ولم تدمر سوى الهناجر والمنشآت خالية من المحتوى تم إعادة بناءها بعد أسبوع واحد من الضربة.

واليوم تنسحب من أفغانستان تلاحقها لعنات الأفغان والحلفاء والأصدقاء، ذليلة مهانة بعد حرب دامت 20 سنة ونفقات يزيد على الترليون دولار سقطت من الأعين بعد كل الغرور الكاذب الذي ظهر به بوش الصغير عند حشده لحرب القاعدة وإسقاط طالبان على إثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر وإرهاب العالم بإطلاقه مبدأ من لم يكن معنا فهو ضدنا!! المواقف تثبت معادن الشعوب والحروب تظهر أصولها ومبادئ وأخلاق دولها وهاكم الأصل الأمريكي ومعدن ساستها وصناع قرارها وتلكم مبادئها وحقيقة أخلاقها...

الحجر الصحفي في زمن الحوثي