تعز الحل والمعضلة!

د. محمد شداد
الأحد ، ٠٥ سبتمبر ٢٠٢١ الساعة ٠٨:٤٠ صباحاً

تتجه الأنظار كلها صوب تعز التي تحظى باهتمام الجميع وتشغل بال الكثيرين، ليس لمجرد الاسم والجغرافيا المجردة، والفكرة الهلامية المختزلة في عقلية المحب والمبغض على حدٍ سواء، بل لأنها ذلك الثقل السكاني الأكبر والموقع الجغرافي الأهم بتموضعها بين مفترق طرق الجنوب والشمال والساحل والمرتفع، والمركز الاقتصادي والصناعي الوطني الأول، قبل أن تطفوا على السطح باقي المراكز ورؤوس الأموال المتسللة من صلب مؤسسات الدولة ومركزية النفوذ.  وبقدر ما أرضعت الجمهورية من خيراتها، وتدافع رجالها نضالاً وسياسة وتعليم وعمل فن ومهنة في كل أنحاء الجمهورية وفي كل مرحلة من مراحل النضال الوطني، يتحامل عليها الكثير من أعداء النظام والجمهورية والوحدة الوطنية وأعداء سيادة دولة النظام والقانون العادلة، تحديداً فلول الإمامة التي كان لتعز الدور الأكبر في إسقاطها، ونشر التعليم وإماطة اللثام عن تاريخها العنصري المذهبي القميء، والدور المحوري في مناشدة قيم الدولة التي آمن بها السواد الأعظم من أبناء الوطن وأنزفوا في سبيلها سنين العمر وأحرقوا نفائس أوقاتهم  خدمة وتفان ليل نهار.  قد يستغرب البعض إذا قلت بأن تعز لم تعان الضنك والضيق ولانتقام السياسي والاجتماعي، طيلة تاريخها المعاصر كما عانته عقب أحداث ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، وكما تعانيه اليوم جراء الحصار الظالم عليها، تنفست نسبياً في عهد صالح غازلها بعين واحدة أرادها دعامةً لخدمة مشروعه وتثبيت سلطانه،  كونها الأكثر حضوراً وتأثيراً، غير أنه وبرغم أنه ربيبها زرع فيها جرحاً واسعاً قبل وبعد نكسته فكانت هي الأعمق والأوجع في تاريخها المعاصر.   عاشت تعز صراعات كل الأطراف السياسية وعنف كل الخصوم، وذلك بحكم تفاعلها مع كل القضايا والأحداث الوطنية وبفعل حضورها معهم وبينهم بشكلٍ كثيف، فصار لكل طرف منهم فيها قصة وذكرى حساب، كان للرئيس السابق صالح وللحاضر عبد ربه وللإنتقالي وللحوثي ولكل الأحزاب السياسية وللتحالف العربي ضد المشروع الانقلابي كان لكلٍ منهم فيها ولا زال عقدة سياسية "وأفيوبيا" حدث، انعكس كل ذلك على حصارها واضطرابها الأمني، وإغراء الكثير من ضعفاء النفوس فيها بل وسقوطهم في وحل البرجماتية والعمالة والمصلحة.

كان لغياب سلطان الدولة الحقيقية واليد الحانية - والرجل الحامل للمشروع الوطني الجامع  الأثر الأكبر على ما مجريات الأحداث فيها على كل الصُعُد، وكان للصراع الحزبي والحضور الإعلامي، وقوة التمرد على الطغيان، والمقاومة الصلبة، اليد الطولى في تعاطي الجميع معها ومع ما يدور فيها من احداث بصورة أكثر ضبابية وغموض.

 البعض يترقب والآخر خائف وقلق، وهناك "المتصانج! والمتعامي!" والمدير ظهره والغاضب والمستهجن الشامت، مما يجري من اختراقات أمنية، الأمر الذي جعل لصداها لون آخر يفوق كل الاختلالات الأمنية والقتالية في باقي المدن المحررة والجبهات المشتعلة ضد المشروع الإمامي العنيف! 

أحدثَ الحزام العسكري الجهوي الذي ضُرب عليها قبل الحرب، والذي لا زال بعضه قائم وإن كان قد تهشم بعضه، وكذا تفكُك الوحدات الأمنية والعسكرية والتنفيذية الجاثمة على قلب المدينة من الداخل بنافذين من خارجها، أحدث الكثير من المآسي وخلق الكثير من بؤر الصراع والاحتقانات المؤجلة، التي تعاني منها اليمن قاطبة وتعز المحاصرة حصرياً.

 وستبقى المأساة  على حالها إذا لم يتوحد الصف الجمهوري ويكسر الحصار على تعز أولاً كي تنطلق الجبهات، ويتفق على تنفيذ مخرجات الحوار الوطني، وتطبيق نظام اليمن الاتحادي، لأن العودة إلى ماضي نظام الدولة البسيطة، والسلطة المركزية بات في نظر اليمنيين والمهتمين بالشأن اليمني من الخارج من سابع المستحيلات.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي