ألسنة النار.. تمتد إلى الطائرة والمطار!

د. محمد شداد
الثلاثاء ، ٢٤ أغسطس ٢٠٢١ الساعة ٠٤:٥٤ مساءً

مع غياب الدولة الحامية تغيب الحقوق الإنسانية كلها، وتُسحق قيم الدولة والمواطنة المتساوية ويتوه القانون بين شعاب الأطراف المتصارعة، وتغيب حتى أحكام العُرف العربي الحميد والتي يفترض أن تحل محل الدولة أثناء غيابها، و تتلاشى القيم الإنسانية التي اعتاد عليها العرب قبل معرفة كيان الدولة وهيكلية مؤسساتها.

تمتد ألسنة النار إلى كل بيت عند غياب الأمن وتضطرب الشوارع عند غياب عسكري المرور ويغيب العدل عند احتقار قاضي المحاكم، مالم يحمل الناس قيم المرور الاصيلة التي بناها القانون عند قيام الدولة قبل السقوط، واعتياد الناس على التعايش والتكافل ونصرة المظلوم ونجدة الملهوف واحترموا المعلم وآمنوا بالتقاضي.

سقطت الدولة اليمنية وتلاشت بسبب يقين القائمين عليها أنهم ليسوا حماة للجميع دون تمييز، ولم يحملوا هم المواطن، أُثخن جميعهم على إثر سقوطها ذلاً وقهراً  كنتيجة حتمية لطغيان شياطين السلطة على ارواحهم وامتداده للآخرين.

بعدها أصيبت اليمن بما يشبه الضربة النووية لمباني الأخلاق والقيم، وساد التعصب الأعمى للحزب والمنطقة والسلالة وتاه الناس يلطمون خدودهم ويشقون جيوبهم عند كل فاجعة وما أكثر فواجع اليوم وأجلها؛ صارت كالإنجاب البشري؛ لا تعبر ساعة إلا ولدينا فاجعة تظهر بعد دفن التي سبقتها. تلك مآسي الحروب المعهودة وكوارثها التي لا مناص منها..

الطامة الكبرى التي تفوق مآسي الحرب هي غياب أخلاقها وعودة الناس إلى عهود التوحش وقتل الأسرى وإلقاء المذنبين طعاماً للأسود الجائعة في غمرة مرح الحاكم وحراساته، ونوبات ضحك تغمر الحاضرين تسلية بالدم وتمزق الأشلاء.

 هل عاد بنا الزمان إلى تلك الحِقب؟! وبات المواطن اليمني نهباً للضباع البشرية دون قيود قانونية أو حدود أخلاقية تتلذذ باختطاف الناس وإخفاءهم قسراً. غدت الدكتاتوريات العصبوية المقيتة تتلقف المواطن المسالم بدعاوى كيدية، وبات من لديه قريب في منافذ اليمن يوشي بمن يريد، ليتم اختطاف الموشى به من المطار أو الطائرات الهابطة أو السفينة الراسية، يكون لدكتاتورية الدولة من السلب والإيجاب ما قد يختلف عليه الناس في تقدير سطوته، تلك حالة درجت عليها أنظمة الحكم في الدول النامية تحديداً غير أن حكم العصابات المنفلتة بات لونٌ من الطغيان آخر!! ما تداوله الكتاب والنشطاء في حادثة اختطاف الطالب "فهد الرياشي" من مطار عدن عند عودته للوطن من ألمانيا أو من على الطائرة التي امتدت إليه ألسنة نار الثأر والانتقام كما قيل على إثر وشاية من صديقٍ له في ألمانيا، وبعد اتصال سفير اليمن في ألمانيا أنكرت سلطات عدن قدوم مثل هذا الاسم وبعد استخراج قوائم المسافرين على الرحلة من مطار القاهرة ووصولهم إلى عدن وبيان من كانوا على ذات الرحلة أن المختطف كان رفيقهم.

 تعكر صفو الجميع وتلعثم جلهم عجزاً عن الحل واستسلام لواقع مأساوي تعيشه عدن الغالية التي كانت رئةً الحرية والمتعة لليمن عبر أزمانها، تعكر صفوها وجمالها في زمن أمطرت سماء اليمن رتباً عسكرية نجوماً وطيوراً، نكبة أخلاقية وقانونية لا مثيل لها عندما اعتلت الرتب أكتاف أشكال وهياكل بشرية لا تعرف معاني الرتب أو قيمتها القانونية أداءً ووجباً.

 فصار بمقدور حامل النجمة أو الطير اختطاف وانتهاك حرمات المواطن متى وأينما أراد!، ذكرتني تلك الحالة بخطاب للزعيم الحمدي -رحمه الله- بعد توليه الحكم، حينما وجد جيشاً تسكنه جيوش، ولائها يتجه صوب القبائل والقوى والشيوخ، جاء في معرض خطابه "ما لذي يأخذوه علينا من ذنب "أي معارضيه في حينه" "إلا أنّا وحَّدنا الجيش الذي كان جيوشاً!!  

كان بمقدور أي ضابط أن يختطف المواطن من بيته ويذهب به إلى حيث يشاء دون حساب من دولةٍ أو عقاب" كان ذلك عند غياب الدولة الفاعلة حينها، وانعدام الإحساس بأهميتها وأن الدولة هي الحامي لكل خائف والحارس لمصالح كل آمن، فمتى سيطلق الخاطفون الطالب "فهد الرياشي" وتوضيح أسباب الاختطاف حتى يقف الناس عليها؟ ومتى ينتفض الضمير وتصحوا من سباتها القيم الغائبة؟

الحجر الصحفي في زمن الحوثي