كانت في داخل الحرب حرب!!

د. محمد شداد
السبت ، ٢٤ يوليو ٢٠٢١ الساعة ١١:٠٢ صباحاً

 التعميم هنا على كل الناس غير وارد البتة، لأنا بصدد التحدث عن ظواهر كان لها نتائج كارثية دمرت الشعب اليمني، والحديث عن نتائجها في منأى عن معرفة أسبابها الحقيقية ملهاة ومضيعةً للوقت، إدارة الظهر والتعامي عن رؤيتها وعدم امتلاك الشجاعة للحديث عنها لن يزيد اليمن إلا حروباً وتعقيداً.

للحرب في اليمن أسباب وغايات متعددة في شمالها وجنوبها، نتذكر ما كان يردده الحوثيون قبيل اقتحام صنعاء بمساعدة معلنة من بطائن صالح وتواطؤ الكثيرين من الأحزاب، حيث كانوا يقولون بوضوح لن ندخل صنعاء لتمكين أحمد علي من السلطة إشارة لليمنيين، ولم نحارب حتى نُمكن أصحاب الطيرمانات من المناصب، إشارة إلى هواشم صنعاء، الأمر الذي أدى إلى رسم خرائط واسعة لإطالة أمد. تشكلت تحالفات الحرب قبل التحالف لأسباب جهوية مناطقية ومذهبية مشتركة، أشعلها حاملي هذه العُقد والمفاهيم بدايةً، والتف حولها جميع "المهدشين" وجدانياً، القبيلي الجهوي الجمهوري والسلالي الطامح إلى عودة حكم الإمامة، أو سطوة القبيلة تمالأ الطرفان لإزاحة الطارئين على السلطة في أعالي الجبال شيخهم والسياسي الضابط والجندي وحتى سائق "المتر".. اعتبروا أن اعتلاء هادي على قمة السلطة خطيئة ما كان يجب أن تحصل وأن نظام الأقاليم سينتزع السلطة الطائفية الإدارية والعسكرية من السلطة المتركزة في أيادٍ كانت تدعي الوطنية.

تم كل ذلك لرسوخ فكرة أن الحكم يجب أن يحيى ويموت في شريحة مجتمعية أقنعت بعضها مع اختلاف رؤاها الجامدة لشكل الدولة والنظام السياسي أنها الصفوة والأحق بالحكم، خلُصت العفاريت إلى أن الوطن رقعةً للفيد والتسلُط والنهب وأن لا يخرج الصميل والخنجر اليمني الذي تخافه أمريكا من أيديها قبائلاً مذهبية عصبوية جهوية كانت أم سلالالت طبرية متوردة وإن اختلفت مرحلياً وإن اقتتلا وسالت الدماء بينهم للركب، فالفكرة الملعونة يجب أن تستمر وتبقى. توحدوا مرحلياً وحشدوا إلى الجبهات وهم أشتات النوايا والغايات، والكل كان مصوب بندقيته في اتجاه الآخر دخلوا الحرب بقناعة أن جميعهم يتربص بالأخر وأن الحكم لن يتسع لكليهما إذ يجب على أحدهما إزاحة الآخر ولو بقتل نصف الشعب اليمني. قال صالح عند الحشد لجبهات الحوثي أن لديه 400 الف مقاتل وبمقدوره حشد قدر أكبر كما صرح أنه قادر على استنفار اثنين مليون مسلح عندما لاح خطر الامريكان بعد استهداف السفينة الأمريكية كول على سواحل عدن، في إشارة إلى الحشد القبلي الجائع الذي ينحاز إلى دواعي غير وطنية على الدوام تسوقه المصلحة الآنية والزوامل والنكف والجهل كانسياقه في حروب الإمامة ضد ثورة الزرانيق التي حصدت منهم الآلاف دون ذنب، وثورة الفقيه سعيد وثورة العقاب في إب وثورة المقاطرة بعد خروج العثمانيين من اليمن تحديداً في العقد الثالث من القرن العشرين، وما تلاه من حروب الجمهورية ضد الفتية عقب ثورة السادس والعشرين من سبتمبر. لقد قالها بمرارة اللواء علي عبدالله السلال قبل موته قهراً "لا ندري ماذا تريد القبائل عندما انساقت وراء الحوثي بعد أن عانت الدولة والجمهورية طيلة مرحلة النضال ضد الإمامة من قفزها على كل ما هو صالح وجميل. تصريحات صالح تشير إلى اتكاءه على جيش آخر غير الذي يستعرض العروض ويستمع للنشيد الجمهوري عند افتتاحية كل مناسبة ويتشرب شعارات الجمهورية وأناشيدها وقصائدها المدوية في السماء والذين لم يمثل الوطن عندهم سوى الصورة على كرسي السيادة والعمل خارج نطاق القانون وفوق المحاسبة ولم يكن سوى نجوم كثيرة ونياشين، يحلبون المناصب ولا يختلفون إلا على اقتسام الغنائم .

أسباب الحرب بدايةً تكمن في الحرص على التمسك بحبائل السلطة وعدم خروجها من بين الجبال دلالات لازالت ظاهرةً للعيان حتى الآن، أمراض لازالت روائحها الكريهة تفوح في الأثناء في كل جبهات الجمهورية، تعز ومأرب وأبين والضالع وحجة والبيضاء والساحل المهادن الرافض للانخراط في الصف الجمهوري الجديد. تفاصيل مأساوية كثيرة لا يتسع المقال لذكرها. تخلص القادمون إلى صنعاء ممن مكنهم غير أن الثقافة المدمرة على المشهد رغم حزن اليمنيين من تلك النهاية المؤسفة لازالت معشعشة تلقي بضلالها على مسار الحرب لتحرير اليمن وإعادتها إلى ما قبل 2014م.

وبناء نظام وطني يكون ساحةً صالحة للعيش والتعايش للجميع دون تمييز على أي أساس، المبدأ الذي كان قد بدأ في التشكل والبروز وإن شابته بعض العثرات، كان سينضج بعد إذابة الزمن لأسباب التشظي وإزالة العقد النفسية والإيديولوجية والسياسية. إطلاق مبادرات السلام على النهج الغربي دون معرفة كنه أسباب الحرب والعمل على إزالتها إنما هي زرع ألغام مؤقته في طريق الشعب اليمني الذي لن يستقر إلا بوجود دولةً حاضنة، والإيمان التام بمبدأ التساوي وتمكين القانون والدستور من إدارة البلاد وإزالة الفوارق الطبقية والامتيازات السياسية وتمكين الموظفين من العمل كخداماً للشعب بمقابل ما يتقاضون من رواتب وامتيازات عن قناعة لا سلاطين لجباية الأموال بناةً للقصور متحكمين برقاب العباد. ولا يمكن صناعة وطن بمواطنة مهشمة لا يشعر المواطن فيها بالعدالة والأمان...

الحجر الصحفي في زمن الحوثي