الأزمة السياسية والاقتصادية: فوضى الداخل وارتهان الخارج

د. فائزة عبدالرقيب
الثلاثاء ، ١١ مارس ٢٠٢٥ الساعة ٠٦:٤١ مساءً

 

لا يمكن فهم الأزمة السياسية والاقتصادية التي تعصف ببلادنا بمعزل عن تراكمات الماضي وإرث الحكومات المتعاقبة التي لم تقدم حلولًا جذرية بقدر ما كرّست أنماطًا من الفشل الإداري والسياسي التي يدفع فيها الشعب الثمن باهظًا نتيجة التضخم وتراجع مستوى المعيشة وتزايد معدلات الفقر التي بلغت مستويات غير مسبوقة. 

لاشك بان هذه النتائج لم تأتِ بسبب الحرب فحسب بل هي تحصيل حاصل لعقد من السياسات الخاطئة وسوء التخطيط والإدارة وارتهان القرار الوطني لإرادات خارجية ما أدى إلى أزمة عميقة ومركبة على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما لم يعد القرار السياسي وطنيًا خالصًا بل أصبح مرهونًا بقوى خارجية تتحكم في مسار البلاد سواء عبر النفوذ الاقتصادي أو التدخل المباشر في رسم السياسات أو من خلال أدوات داخلية تعمل لصالحها الامر الذي أدى هذا إلى تغييب المصلحة الوطنية واستبدالها بمصالح فئوية أو خارجية تتعارض مع تطلعات الشعب، متجاوزةً الثوابت الوطنية ومضعفةً الانتماء للوطن ومهددةً بتفكك الهوية الوطنية.

 

في واقع الأمر، الأزمة التي نعيشها اليوم ليست قضاءً وقدرًا بل هي نتيجة سياسات يمكن تصحيحها إذا توفرت الإرادة لذلك. فقد أدى غياب الرؤية الاقتصادية المستدامة للحكومات المتعاقبة، وعدم تبني استراتيجية واضحة – ولو في حدها الأدنى – إلى تفاقم الأزمة وبدلًا من البحث عن حلول حقيقية، اختارت الحكومات الحلول الأسهل بالاعتماد على المعونات الخارجية والمساعدات المؤقتة والودائع رغم أن بعضها ديون آجلة. ومع ذلك لم يتم توظيف هذه الموارد بالشكل الصحيح مما أدى إلى مزيد من التضخم واتساع فجوة الفقر. ناهيك عن تفشي الفساد الذي لم يعد مجرد ظاهرة بل تحول إلى معضلة اساسية و منظومة تحمي مصالح فئات محددة على حساب الشعب مما يستدعي وجود قضاء مستقل وإرادة سياسية حقيقية لا تساوم في ملف الفساد بل تعمل على اجتثاثه من جذوره.

 

لا شك أن الخروج من هذه الأزمة يتطلب قيادة وطنية حقيقية و إرادة سياسية ووعيًا مجتمعيًا يرفض التبعية، يبدأ من وعي الشعب والضغط على مراكز القرار لإعادة ترتيب الأولويات لصالح الوطن وليس لصالح الأجندات الخارجية أو المصالح الضيقة، ومن أولى الخطوات العملية المطلوبة:

1. تعزيز الأمن في المناطق المحررة ومنع حمل السلاح دون ترخيص واختفاء المظاهر العسكرية لضمان استقرار الأوضاع الداخلية.

2. الضغط لوجود الحكومة كاملة داخل الوطن بحيث تعمل من الداخل لا من الخارج لاستعادة الهيبة المؤسسية للدولة.

3. تحرير القرار الوطني من أي تدخلات خارجية وضمان أن تكون الأولوية للمصلحة العامة لا لمصالح الفئات أو القوى الخارجية.

4. إطلاق إصلاح اقتصادي حقيقي يقوم على الإنتاج والاستثمار بدلاً من الاعتماد على المساعدات والقروض.

5.محاربة الفساد بشكل جذري من خلال تفعيل أجهزة الرقابة والمساءلة وضمان استقلالية القضاء.

 

ان الوقت لم يعد يسمح بالمزيد من الانتظار فإما أن يتحرك الجميع الآن لإنقاذ الوطن أو نبقى أسرى لدوامة الفوضى والتبعية وتأثير الخارج حيث تتفاقم الأزمات وتضيع الفرص. ولذلك فأن الوطن اليوم يحتاج إلى إرادة شعبية قوية، وضغط مستمر من القوى الوطنية، تدفع بالحكومة نحو الامام لإعادة بناء دولة تحترم سيادتها وتحقق العدالة وتذهب نحو التنمية المستدامة.

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي