يُعدّ الحوار بين الله تعالى وآدم عليه السلام من جهة، وإبليس – لعنه الله – من جهة أخرى، من أعمق المشاهد التي وردت في القرآن الكريم، حيث يكشف عن طبيعة النفس البشرية، والفرق بين العبد التائب الذي يعترف بذنبه، والكائن المخلوق المتكبر الذي يأبى الرجوع إلى الحق. إن تدبر أقوالهما في القرآن الكريم يفتح أمامنا أبوابًا من الدروس العظيمة في الإيمان، والتوبة، والاستكبار، والاستسلام لأمر الله.
أولًا: ماذا قال آدم عليه السلام؟
بعد أن وقع في المعصية بأكله من الشجرة، لم يُكابر آدم عليه السلام، ولم يبرر خطأه، بل اعترف بذنبه مباشرة، وطلب المغفرة والرحمة من الله تعالى، فقال:
﴿قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ (الأعراف: 23).
تحمل هذه الكلمات روح التوبة الحقيقية، حيث أقر آدم عليه السلام بالذنب، وأظهر الندم، وطلب الغفران، فكان أهلاً لرحمة الله.
ثانيًا: ماذا قال إبليس لعنه الله؟
على النقيض من آدم، أظهر إبليس غرورًا واستكبارًا عندما رفض السجود لآدم، معتقدًا أنه أفضل منه، فقال:
﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾ (الأعراف: 12).
ولم يكتفِ بذلك، بل زاد في عناده وتمادى في الكفر، متهمًا الله بأنه السبب في غوايته، فقال:
﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ (الأعراف: 16).
إبليس لم يعترف بالخطأ، ولم يطلب المغفرة، بل لجأ إلى التبرير والتمرد، فكان عقابه الطرد من رحمة الله إلى الأبد.
ثالثًا: مقارنة بين موقف آدم وإبليس
يُظهر القرآن الكريم الفرق الجوهري بين موقف آدم وإبليس من خلال عدة جوانب تحمل في طياتها دروسًا عظيمة للبشرية، ومنها:
1. السبب وراء الخطأ
آدم عليه السلام: وقع في الخطأ بسبب وسوسة إبليس، حيث أغواه بالأكل من الشجرة التي نهاه الله عنها.
إبليس: رفض السجود لآدم بسبب الكبر والحسد، إذ اعتبر نفسه أفضل منه لأنه مخلوق من نار، بينما آدم مخلوق من طين.
2. رد الفعل بعد الخطأ
آدم عليه السلام: عندما أدرك خطأه، سارع إلى التوبة والاستغفار، معترفًا بذنبه.
إبليس: لم يندم على عصيانه، بل برر موقفه وأصر على التكبر والعناد.
3. التوبة والاعتراف بالذنب
آدم عليه السلام: قال: "رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ" (الأعراف: 23)، معترفًا بذنبه وراجياً المغفرة.
إبليس: بدلاً من التوبة، قال: "فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ" (الأعراف: 16)، متهمًا الله بأنه السبب في ضلاله.
4. النتيجة
آدم عليه السلام: تقبل الله توبته وأعاد له رحمته، لكنه أنزله إلى الأرض ليكون خليفة فيها.
إبليس: طرده الله من رحمته وجعله ملعونًا إلى يوم الدين، وحكم عليه بالعذاب الأبدي.
رابعًا: الدروس والعبر المستفادة
1. التواضع سبيل النجاة، والكبر سبيل الهلاك
آدم عليه السلام تواضع لله، فتاب عليه.
إبليس تكبر وعاند، فاستحق الطرد واللعنة.
2. الاعتراف بالذنب هو بداية التوبة
آدم عليه السلام أقرّ بذنبه وطلب المغفرة، فنجا.
إبليس رفض الاعتراف، فهلك.
3. الخضوع لأمر الله بدون اعتراض
آدم عليه السلام تقبل العقوبة برضى وسعى للتوبة.
إبليس تمرد على أمر الله واستمر في التحدي.
4. الشيطان يسعى لإغواء البشر بكل الطرق
إبليس أقسم أن يقعد للناس على الصراط المستقيم ليغويهم، مما يستوجب الحذر من وساوسه.
5. طلب المغفرة هو باب النجاة
لا أحد معصوم من الخطأ، لكن التوبة والاستغفار سبيل النجاة.
الخلاصة
كل إنسان قد يقع في الخطأ، لكن العبرة في كيفية التعامل معه. هل نكون مثل آدم فنتوب ونعود إلى الله، أم مثل إبليس فنعاند ونتمادى؟
إن هذا المشهد القرآني يعلّمنا كيفية التعامل مع الأخطاء والذنوب؛ فإما أن نكون مثل آدم عليه السلام، فنعترف ونطلب المغفرة، فنفوز برحمة الله، أو أن نكون مثل إبليس، فنتكبر ونعاند، فنهلك.
ختامًا، لنجعل هذا الشهر الفضيل فرصةً لتدبر أخطائنا، والعودة إلى الله بالتوبة والاستغفار، قبل أن يفوت الأوان.
اللهم اكتبنا من المتواضعين، التائبين، الطالبين للمغفرة والرحمة، الخاضعين لأوامرك، المعترفين بأخطائنا... آمين، اللهم آمين.
ليلة فضيلة وجمعة مباركة.
-->