أحاول في هذا المقال أن أُجمل بعض ما شدّني في مسألة الأقوال القرآنية تراتبيًا، ولربما في تناولات قادمة سأفصل بعضًا منها. حاليًا، أورد بعض اللمسات التدبُّرية وتقديراتي بالحكمة منها، والدعوة للتدبر وأخذ العبرة منها في حياتنا.
1. قول الله للملائكة عن خلق آدم
﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ (البقرة: 30)
لمسة تدبرية:
الله أخبر الملائكة بخلق الإنسان ليكون خليفة في الأرض، فاستغربوا، لكن الله يعلم ما لا يعلمون. وهذا يعكس حكمة الله في الابتلاء في هذه الدنيا، حيث يمتلك البشر القدرة على الخير والشر، وهم مسؤولون عن أفعالهم.
العبرة:
كل إنسان مستخلف ومسؤول عن إعمار الأرض بالخير، والهدف من وجودنا ليس العيش فقط، بل العمل بإخلاص وفق منهج الله.
2. قول إبليس لآدم عند إغرائه بالأكل من الشجرة
﴿ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى ﴾ (طه: 120)
لمسة تدبرية:
إبليس لم يقل لآدم "اعصِ الله"، بل أوهمه أن هذه الشجرة ستمنحه الملك والخلود. فالشيطان دائمًا يزين المعصية ويغلفها بمبررات زائفة.
العبرة:
كل ذنب يبدأ بإغراء مزيف، لذا علينا أن نكون حذرين من مداخل الشيطان التي تأتي على هيئة مصالح أو وعود براقة.
3. قول إبراهيم عن الأصنام
﴿ فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ ﴾ (الصافات: 91)
﴿ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَسْئَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ ﴾ (الأنبياء: 63)
لمسة تدبرية:
إبراهيم استخدم أسلوب التحدي والمنطق، فسأل قومه: "لماذا لا تأكل الأصنام؟ لماذا لا تدافع عن نفسها؟" ليكشف لهم زيفها.
العبرة:
علينا مواجهة الباطل بالعقل والحكمة، وتحدي العادات الخاطئة بأسلوب منطقي يقنع الناس، لا بالعنف أو الجدل العقيم.
4. قول إبراهيم لابنه إسماعيل
﴿ قَالَ يَٰبُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي ٱلْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ﴾ (الصافات: 102)
لمسة تدبرية:
إبراهيم لم يفرض على ابنه القرار، رغم أنه وحي من الله! كان يمكنه أن يذبحه دون نقاش، لكنه أشرك ابنه في القرار، ليكون جزءًا من الطاعة لا مجرد منفذ لها.
العبرة:
في تربية الأبناء، يجب أن نشركهم في القيم الكبرى، لا أن نفرضها عليهم، ليكونوا مقتنعين بطاعة الله.
5. قول بني إسرائيل عن البقرة
﴿ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ ﴾ (البقرة: 68)
﴿ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا ﴾ (البقرة: 69)
لمسة تدبرية:
بدل أن يطيعوا مباشرة، أكثروا من الجدل وكثرة الأسئلة حتى شدد الله عليهم الأحكام.
العبرة:
إذا جاءنا أمر واضح من الله، فلا ينبغي التسويف والجدال، بل علينا المبادرة بالتنفيذ، فالتعنت يجلب التعقيد. علينا أن نتأمل في أوامر الله وننفذها، لأنها حكمًا لصالح العباد.
6. قول الرجل المؤمن من آل فرعون
﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ ﴾ (غافر: 28)
لمسة تدبرية:
كان هذا الرجل يعيش وسط بيئة ظالمة لكنه لم يسكت، تكلم بحكمة وحذر، مستخدمًا المنطق دون مواجهة مباشرة مع فرعون، ففاز بالدنيا والآخرة.
العبرة:
حتى في أحلك الظروف، يمكن للإنسان أن يدافع عن الحق بحكمة دون تعريض نفسه للخطر بلا داعٍ.
7. قول السحرة بعد إيمانهم
﴿ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ، رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ﴾ (الأعراف: 121-122)
لمسة تدبرية:
السحرة تحولوا من أشد أعداء موسى إلى مؤمنين بمجرد رؤية الحقيقة، ولم يهمهم تهديد فرعون، لأنهم أدركوا أن الله أعظم.
العبرة:
حين يرى الإنسان الحقيقة بوضوح، لا يعود يخشى الخلق، بل يكون مستعدًا للتضحية في سبيل الله.
8. قول موسى للخضر
﴿ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰٓ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴾ (الكهف: 66)
﴿ قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا ﴾ (الكهف: 71)
لمسة تدبرية:
موسى، رغم نبوته، لم يخجل من طلب العلم من الخضر، لكنه استعجل الحكم على الأمور، فتعلم منه قيمة الصبر.
العبرة:
التعلم يحتاج إلى تواضع وصبر، فقد تكون بعض الأمور التي نظنها "شرًّا" في ظاهرها تحمل الخير في باطنها.
الختام
وكم في القرآن من مواقف على هذه الشاكلة! هذه المواقف تحمل دروسًا خالدة في التربية، الحكمة، الصبر، اليقين بالله، والتعامل مع الابتلاءات.
كل قصة قرآنية ليست مجرد تاريخ، بل مرآة لحياتنا، فكل موقف فيها يمكن أن نعيشه اليوم بطريقة أو بأخرى.
والله المستعان!
-->