ليلة القدر.. نفحات لا تنقطع

د. علي العسلي
السبت ، ٠١ مارس ٢٠٢٥ الساعة ١١:٥١ مساءً

 

سأحاول في هذا الشهر، بحول الله وقوته، التأمل في الكلمات والجمل الواردة أكثر في القرآن الكريم، غير أن البداية أردت بها لفت الانتباه إلى نفحات ليلة بكاملها، إنها ليلة القدر، فضلًا عما روى النبي ﷺ:

"إن لله في أيام دهركم نفحات، ألا فتعرضوا لها، فلعل أحدكم أن تصيبه نفحة فلا يشقى بعدها أبدًا."

إذ إنه ثابت إسلاميًا أن هناك، في العبادات، شرفًا للزمان (ساعة في الجمعة، وشهر رمضان، والحج)، وشرفًا للمكان (العبادة في الحرم المكي بمائة ألف، وفي الحرم النبوي بألف، وفي المسجد الأقصى بخمسمائة).

النفحات الإلهية في ليلة القدر

هذه الليلة المباركة مليئة بالنفحات، فمن علت همته واجتهد في ليالي شهر رمضان حصل عليها، ونال خيرها وبركاتها بلا شك ولا ريب. ومن لم يستطع، فليتحرَّها في العشر الأواخر من شهر رمضان، كما جاء في أحاديث كثيرة، وسينال بركتها وخيرها بفضل الله.

الله.. الله.. يا أيها المجتهدون!

فليالي شهر رمضان متاحة لكم لتعرضوا أنفسكم على نفحاتها، وفيها ليلة خير من ألف شهر، أي أكثر من ثلاثة وثمانين عامًا.

بينما متوسط أعمارنا، نحن أمة محمد، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، في حدود ثلاثة وستين عامًا. فلو حسبنا فقط لمن يبلغ عمره أربعين سنة فما فوق، فإن محصلة الثلاثة والعشرين الليلة القدرية تعادل 1917 عامًا من العبادة! أما الشاب من دون الأربعين، فالمتعلقون بالمساجد، هم ممن يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله.

فالحمد لله الذي خصّ شهر رمضان بليلة القدر، وجعلها فرصة عظيمة لمن أراد أن يتعرض لنفحاته الإلهية، فيغفر له ويبدّل سيئاته حسنات.

وقد قال النبي ﷺ:

"من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه."

النفحات الإلهية.. متى تأتينا؟

ليلة القدر ليست لحظة عابرة، بل ساعات ممتدة من الرحمة والمغفرة والسكينة، من غروب الشمس حتى مطلع الفجر، كما قال تعالى:

﴿سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾ (القدر: 5).

إنها ليلة تنزل فيها الملائكة تحمل الخير والطمأنينة، وتُفتح فيها أبواب السماء، فيكون الدعاء مستجابًا، والذنوب مغفورة، والأقدار مكتوبة بالخير لمن تعرض لهذه النفحات المباركة.

كيف نعيش هذه النفحات؟

نفحات ليلة القدر لا تعتمد على المصادفة، بل على الاستعداد لها إيمانيًا وحسيًا وقلبيًا! ومن أراد أن يغتنم بركتها، فعليه بـ:

اليقين: الإيمان بأن كل لحظة في هذه الليلة تحمل بركة قد تغيّر مصيره للأبد.

العبادة: عدم إضاعة أي دقيقة إلا في صلاة، أو ذكر، أو دعاء، أو استغفار.

الدعاء: التوجه إلى الله بالدعاء الذي علمنا إياه النبي ﷺ:

"اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عني."

ليلة القدر فرصة لا تعوَّض لأمة محمد ﷺ

فكيف نضيعها ونحن نعلم أن أبواب السماء مفتوحة، والملائكة حاضرة، والله يُنادي: "هل من مستغفر؟ هل من تائب؟ هل من داعٍ فأستجيب له؟"

ختام وتأمل

رمضان كله نفحات، لكن ذروته تكون في ليلة القدر، فماذا لو عشنا كل لياليه بنفس الروح؟

هل قلوبنا يقظة لهذه العطايا الربانية، أم أنها غافلة عنها؟

اللهم اجعلنا ممن تعرضوا لنفحاتك فلم يُحرموا، وممن استغفروك فغفرت لهم، وممن سألوك فأعطيتهم، وممن كتبتهم من العتقاء من النار.

اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عنا...

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي