إن تطبيع مفردات ذات طابع جغرافي على نقابات ومنظمات مدنية أمر مقلق، بل ومقزز، لما له من تداعيات خطيرة على وحدة النسيج الوطني.
والأكثر إزعاجًا أن نجد أعضاءً في مجلس القيادة الرئاسي يترأسون كيانًا جنوبيًا وينخرطون في اجتماعات ومعالجات لكيانات تحمل تسميات مناطقية مثل:
"اتحاد عمال الجنوب"، و"منتدى القضاء الجنوبي"، و"محامو الجنوب"، و"صحفيو الجنوب"... وكأن هناك كيانات موازية بعيدًا عن الأطر الوطنية الجامعة، مثل:
"المجلس الانتقالي اليمني"، و"اتحاد عمال الجمهورية"، و"نقابة المحامين اليمنيين"، و"المنتدى القضائي اليمني"، و"نقابة الصحفيين اليمنيين"، و"نقابة المعلمين والمهن التعليمية اليمنية"، وهلمّ جرّا. إن هذا التوجه يعمّق الانقسامات ويؤسس لمزيد من التشرذم بدلًا من بناء دولة موحدة قائمة على أسس وطنية.
تراجع الشرعية بعد تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية
منذ أن صنّفت الولايات المتحدة جماعة الحوثي منظمة إرهابية أجنبية، شهدنا تراجعًا كبيرًا في نشاط مجلس القيادة الرئاسي، حتى كاد يختفي تمامًا.
كذلك، لم يعد هناك أي حضور فعلي للحكومة ورئيسها ووزرائها، رغم أنهم ذهبوا إلى الأمم المتحدة بوفد ضخم وبشراكة مع المملكة المتحدة، لكن سرعان ما تبخّر ذلك الحراك، ولم نرَ له أثرًا على أرض الواقع.
في المقابل، تفاقمت الأزمات الاقتصادية؛ فالعملة الوطنية تتهاوى، والأسعار ترتفع، والسيولة النقدية تنعدم بين أيدي المواطنين، بينما رمضان على الأبواب.
أما في عدن، فقد أصبحت الكهرباء تُدار بمنطق "المكرُمات"، وكأن الدولة غائبة تمامًا، ولا وجود لإدارة موحدة للموارد تُوظّف وفقًا لأبواب الموازنة والبرامج المحددة.
الجيش والجهوزية... أين القرار؟
تابعنا اتصال رئيس مجلس القيادة الرئاسي بوزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان، حيث حيا الجهوزية العالية للجيش الوطني والمقاومة.
ولكن السؤال: هل كان مجرد اتصال يكفي؟ إذا كان هناك قرار حقيقي بإنهاء هذا الفصل الحوثي المقيت، فلماذا لم يُعقد اجتماع لمجلس الدفاع الوطني، يضم كل الأذرع والتشكيلات العسكرية، لمناقشة الخطط الميدانية والسيناريوهات المحتملة وإعطاء الضوء الأخضر للتحرك؟
المثير للسخرية أن التصعيد العسكري لا يأتي إلا من جانب الحوثيين، فهم من يقررون المهاجمة، وهم من يستهدفون الأعيان المدنية في تعز ومأرب والضالع وغيرها من المناطق والجبهات، بينما الطرف الآخر لا يحرك ساكنًا، وكأن دوره مقتصر على ردود الأفعال فقط.
ازدواجية المعايير الدولية وصمت العالم
كم مرّة سمعنا من هذا العالم المتحيز، الذي يعميه تعصبه لربيبتهم إسرائيل، عن ضرورة منع حماس من حكم غزة، وتصنيفها منظمة إرهابية، بينما تدعم بعض دوله إرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل، بينما تغض دول أخرى الطرف عن ذلك؟
وينتفض العالم دفاعًا عن رهائن الاحتلال، لكنه لا يرى المعاملة اللاإنسانية التي يتعرض لها الأسرى الفلسطينيون. بل يُصر على أنه لا وقف للقتال إلا بعد ضمان "اليوم التالي" لحكم غزة، بشرط ألا تكون حماس في المشهد!
أما اليمن، الواقع تحت الوصاية الدولية والبند السابع، فلم نسمع من هذا العالم أي موقف صريح يقول:
"لن نسمح للحوثيين بحكم اليمن!" رغم أنهم ذراع إيراني، ومصنّفون إرهابيين، وارتكبوا جرائم بحق اليمنيين، ومزّقوا أمن اليمن والمنطقة، وهددوا الأمن والسلم الدوليين.
إلى متى سيظل العالم يستخدم معايير مزدوجة، فيمنح الشرعية لمن يشاء ويسلبها ممن يشاء؟ وكيف يُقيم الأحداث ويصدر الأحكام بهذه الانتقائية؟
الحل... بين الداخل والخارج
لا يمكن أن نراهن على العالم إذا كانت الشرعية نفسها غير جادة في استعادة الدولة. الحل يبدأ من الداخل:
• إعادة توحيد خطاب الشرعية ليكون أكثر شمولية وتمثيلًا وفاعلية للجمهورية اليمنية، بعيدًا عن الأنانية المناطقية.
• توحيد القيادة العسكرية تحت قيادة وطنية موحدة، وإنهاء حالة التشرذم التي تجعل كل طرف يتحرك وفق أجندته الخاصة.
• تحقيق إصلاح اقتصادي حقيقي، يبدأ بضبط الموارد وتوحيد السياسات المالية والنقدية، بدلًا من الاعتماد على "المكرُمات" والإدارة العشوائية.
• موقف دولي حازم، لا يكتفي بإدراج الحوثيين على قوائم الإرهاب، بل يتبعه بضغط حقيقي يمنع أي محاولات لمنحهم الشرعية السياسية مستقبلًا.
اليمنيون يتفطّرون من الوضع القائم الشاذ... فمتى يتحرك الداخل والخارج لإنقاذ اليمن واليمنيين؟!
-->