ما إن فاز الرئيس الأمريكي ترامب بولاية رئاسية جديدة إلا وعاد الحديث عن العلاقات الأمريكية السعودية لاعتبارات عديدة أهمها طريقة إدارة هذه العلاقة خلال الفترة الرئاسية السابقة لترامب ، وما شهدته هذه العلاقات من فتور وصل لحد التوتر خلال ولاية بايدن ، لكن من المهم الإدراك اليوم أنه حين الحديث عن العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية في الفترة القادمة من ولاية الرئيس دونالد ترامب فإننا نستعرض مرحلة جديدة من العلاقات التي سيتم تحديدها وفقاً للعديد من العوامل الإستراتيجية والاقتصادية والسياسية التي ستؤثر في المشهد الدولي الحالي .
صحيح إن بعض الملفات قد تبدو مستمرة من فترة ولايته السابقة إلا أن هناك العديد من القضايا التي قد تستجد أو تتطور مع تغير الظروف الإقليمية والدولية ولعلنا نعرج هنا على أهم الملفات التي ستحدد نوع العلاقات وسيشكل التعامل مع هذه الملفات معياراً لنوعية وقوة هذه العلاقات من عدمه .
1- إيران وطموحها التوسعي .
من المؤكد أن إدارة ترامب في ولايته المقبلة ستواصل سياستها المتشددة تجاه إيران، وستكون المملكة العربية السعودية باعتبارها خصماً رئيسياً لطهران في المنطقة حليفا قويا للولايات المتحدة في إطار هذه السياسة ، و يمكن أن تشمل هذه السياسة الضغط المتزايد على إيران سواء من خلال فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية أو من خلال زيادة الدعم العسكري للسعودية لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة ، ومن المتوقع أن يشهد التعاون بين الولايات المتحدة والسعودية تصعيدا في هذا الملف، مع تبني سياسة المواجهة الشاملة تجاه طهران، وهو ما سيشكل محركا أساسيا للعلاقات بين البلدين .
على الارجح ستستمر المملكة العربية السعودية في تعزيز تعاونها مع الولايات المتحدة في مواجهة التهديدات الإيرانية، سواء على صعيد السياسة النووية الإيرانية أو من خلال دعم الجماعات المسلحة التي تدعمها طهران في المنطقة.
يميل ترامب إلى تعزيز الدور الأمريكي في حماية الحلفاء التقليديين في الشرق الأوسط ، وسيبذل جهدًا كبيرًا في تعزيز التعاون العسكري مع الرياض ، ويمكن أن تشمل هذه الجهود صفقات أسلحة جديدة ودعم تقنيات دفاعية متقدمة لحماية المملكة من الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار التي استخدمها الحوثيون في اليمن ضد المنشآت النفطية السعودية.
2- التوترات الإقليمية وخاصة في اليمن وسوريا
في ولاية ترامب الحالية ستظل الأوضاع في اليمن أحد الملفات الحساسة التي قد تؤثر في العلاقة بين أمريكا والسعودية ، ووفقا لطريقة ترامب في إدارة العلاقات مع الحلفاء فليس من المتوقع أن تلتفت الولايات المتحدة للضغوط الدولية وخاصة من قبل جماعات حقوق الإنسان لوقف الدعم العسكري للسعودية كما حصل خلال رئاسة بايدن ، لكن هناك ميل أمريكي إلى احتواء المشكلة اليمنية والدفع باتجاه تسوية سياسية ستكون السعودية هي العامل الأساسي فيها ، وستتيح لها إدارة ترامب إدارة هذا الملف مع فارق أن الرياض ستكون أكثر قدرة على فرض شروطها بسبب ضمان دعم ترامب خلافاً لما حصل خلال الفترة الماضية.
كما أن التواجد والمصالح الأمريكية في سوريا في ظل الإدارة الجديدة ، وفي العراق التي تحاول كبح جماح الفصائل التي تديرها إيران ، والتغيير الحاصل في المشهد اللبناني كل هذه الملفات ستتشارك البلدان في أدارتها والاستفادة من التغيير الحاصل لتعزيز مصالح الدولتين ، وستعمل واشنطن مع الرياض لحماية المصالح المشتركة في هذه المناطق ، خصوصا في مواجهة وتقليص النفوذ الإيراني في المنطقة بشكل عام والروسي في سوريا والبحر الاحمر .
3- السلام والتطبيع مع الكيان الصهيوني:
من المرجح أن يواصل ترامب الضغط على السعودية للمضي قدما في مسار التطبيع مع إسرائيل ، وهو مسار بداه في نهاية ولايته الأولى وأتى أكله لدى دول أخرى (الإمارات والبحرين والسودان) ، ونجحت السعودية وقتها من ترحيل الملف ومن ثم لم تكن الادارة الأمريكية اللاحقة مهتمة به ، وسيشكل هذا الملف تحديا للرياض لحساسية موقع السعودية في محيطها العربي والإسلامي ، وموقفها التاريخي من القضية الفلسطينية، وفي حال استمرار الضغوط الأمريكية في هذا الاتجاه قد تضطر السعودية لاستخدام الدبلوماسية الذكية لتجاوز الأمر ، خاصة أن الحرب على غزة خلال الفترة المنصرمة زادت من تعقيد المشهد ، وخلقت حالة غضب قد لايكون من المناسب مواجهتها بقبول التطبيع .
4- أسواق الطاقة العالمية :
من المؤكد أن السياسة النفطية ستظل من أهم الملفات التي ستحكم العلاقات بين واشنطن والرياض في ولاية ترامب الحالية ، فالولايات المتحدة التي أصبحت من أكبر منتجي النفط في العالم ستكون في حالة توازن مع السعودية التي تظل واحدة من أكبر المصدرين العالميين للنفط.
سيظل الملف النفطي ذا أهمية بالغة، مع تحولات كبيرة في أسواق الطاقة خاصة في ظل محاولات أمريكا لتوسيع صناعة النفط والغاز غير التقليدي (النفط الصخري)كما أن التحديات المستقبلية قد تشمل تنويع مصادر الطاقة بسبب التغيرات المناخية والتوجهات نحو الاقتصاد الأخضر ، وستكون العلاقة بين ترامب والسعودية حاسمة في إيجاد حلول لأسعار النفط خاصة في حال تصاعد التوترات بين الرياض وطهران أو أزمات أخرى في منطقة الشرق الأوسط .
5 - حقوق الإنسان والمشهد السياسي في السعودية:
تشكل قضية حقوق الإنسان في السعودية عنصرا مهما في العلاقة مع الإدارة الإمريكية ، ومن المتوقع ان ينسحب ذاك على إدارة ترامب ، مع أن استخدام هذا الملف لم يكن لاهداف انسانية في السابق وليس من المتوقع ان يتغير ذلك لاحقا ، فقد تم استخدامه كملف ضاغط للحصول على تنازلات في ملفات أخرى ، ومع أن السعودية استبقت كثير من الضغوط في هذا الإطار عبر إحداث تغييرات سياسية واقتصادية موصوفة بالانفتاح ، ومن المتوقع في حال سادت علاقات البلدين التفاهم ان يقدم ترامب دعم أكبر للقيادة السعودية في سياق التغييرات الداخلية التي تقودها رؤية "2030" التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ، ومع ذلك ستظل قضايا مثل حرية التعبير والانفتاح السياسي والديمقراطية قضايا حساسة قد تؤثر في العلاقات بين البلدين وفق متغيرات أخرى.
6. الملف الاقتصادي:
من المتوقع أن يواصل ترامب دعم العلاقات الاقتصادية مع السعودية، مع التركيز على الاستثمارات في مشروعات البنية التحتية في إطار رؤية "2030"، وتحقيق التنوع الاقتصادي في المملكة ، كما سيكون للقطاع النفطي دور كبير في هذه العلاقات، مع سعي الولايات المتحدة لتنمية صناعتها الخاصة بالطاقة النظيفة في مواجهة التحديات المستقبلية المتعلقة بالبيئة.
بالمقابل المتوقع استمرار الاستثمارات السعودية في الاقتصاد الأمريكي، سواء في البورصة أو من خلال الصناديق السيادية السعودية التي تستثمر في مشروعات تكنولوجية وابتكارية في الولايات المتحدة ، ومن المتوقع تركيز ترامب على جذب الاستثمار السعودي إلى مشاريع أمريكية جديدة تشمل القطاعات التقنية والعسكرية .
في المجمل شهدت ولاية ترامب الأولى تعاونا استراتيجيا كبيرا بين الولايات المتحدة والسعودية، ومن المرجح جدا أن ولاية ترامب المقبلة سوف تستمر في نفس الاتجاه مع بروز العديد من التحديات التي ستواجه العلاقة بين البلدين ، لكن هذه الملفات ستكون محورية في تشكيل معالم العلاقة بين واشنطن والرياض في فترة رئاسية ثانية لترامب، مما يجعلها محط اهتمام في الساحة الدولية .
-->