وفقًا لتقارير أمريكية حديثة، هناك توقعات بسقوط جماعة الحوثي إذا ما اتُّبعت استراتيجية تعتمد على تغييرات داخلية متراكمة.
تقرير المجلة الأمريكية ناشيونال إنترست، الذي أعدَّه آري هيستين وناثانيال رابكين، يحدّد ثلاث مراحل لسقوط الجماعة، تبدأ بتصاعد الغضب الشعبي نتيجة المظالم الاقتصادية والاجتماعية والدينية، مما يخلق ضغطًا متزايدًا على النظام من القاعدة الشعبية. ثم تفقد الجماعة دعم النخب الرئيسية داخلها، مما يؤدي إلى انقسامات داخلية تُضعف بنيتها. وفي النهاية، تشهد صراعات على السلطة بين قيادات الجماعة، مما يخلق فوضى تؤدي إلى فقدان السيطرة.
رغم ظهور بعض هذه المراحل في الواقع، لم تسقط الجماعة بعد. وهذا يتطلب من الشرعية اليمنية أن تتخذ زمام المبادرة بتشكيل حكومة حرب تركز جهودها ضد الحوثيين، دون تدخل مباشر من قوى خارجية كأمريكا أو بريطانيا أو الكيان الصهيوني.
بدلاً من ذلك، يجب منع أي عدوان خارجي يستهدف البنية التحتية اليمنية أو يطيل أمد الصراع.
رغم انكشاف أكاذيب الحوثيين أمام اليمنيين يومًا بعد يوم، ينبغي للشرعية أن تتعامل بذكاء مع مزايدات الحوثيين بشأن قضايا مثل فلسطين وغزة، وأن تُعبّر عن موقف وطني واضح ومتماسك حيال العدوان الصهيوني.
وداخليًا، على الشرعية أن تُعزّز ثقة المواطنين عبر تمكين الكفاءات وإظهار نموذج جيد للحكم الرشيد في المناطق المحررة. فمن غير المقبول تسجيل حوادث مثل عدم القبض على الجناة الذين قتلوا المواطن "سيف الشرعبي" مثلًا في جوار منزله ظلمًا وعدوانًا في تعز، أو انتشار الفساد عمومًا، والفساد في السجون خصوصًا، كما شاهدنا في فيديو مسرب من سجين محروق في سجن الشبكة في تعز، حيث تحدث المسجون عن محسوبيات ووساطات ورشاوى مقابل السماح بدخول الغذاء المنزلي إليهم، في حين كان يفترض أن توفر الدولة وجبات منتظمة لهم.
كما أن الدور البارز الذي تلعبه السعودية والتحالف في الملف اليمني يُثمَّن عاليًا، خاصة عبر الودائع السعودية والدعم العسكري. ومع ذلك، فإن دعم الشرعية يتطلب جهودًا إضافية، مثل إلزام الأطراف بما التزموا به بسرعة تنفيذ اتفاق الرياض (1) و(2)، ومخرجات المشاورات اليمنية-اليمنية، والمساعدة في بناء مؤسسات إنتاجية وتصديرية قوية، وممارسة الضغط على المجتمع الدولي لعزل الحوثيين اقتصاديًا وسياسيًا، وكذا تنفيذ مشاريع تنموية هادفة تُظهر التزام التحالف برفع معاناة الشعب اليمني.
في الساعات الأربع والعشرين الماضية، تعكس تصريحات قيادات الحوثي، مثل محمد علي الحوثي، وحسين العزي، حالة من القلق إزاء المستقبل. تغريداتهم تحمل رسائل ابتزاز للسعودية ومحاولات لإثارة الفتنة في المناطق المحررة عبر وعود بدفع الرواتب في حال عودة الإيرادات إلى صنعاء.
علمًا بأن وعد الحوثي للمودعين بسداد جزء من الدين الداخلي لصغار المودعين يعتمد على شروط مجحفة تمتد لفترات زمنية طويلة تصل لــ (17) سنة. يأتي هذا بعد أن صادرت الجماعة الأرباح التي تكونت خلال 20 عامًا، حيث أقدمت على تحويل الودائع إلى حسابات جارية.
وتشير مصادر اقتصادية إلى أن إجمالي المودعين يبلغ (1.2) مليونًا ومئتي ألف مودع لدى البنوك في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة الحوثية، في حين تقدر عائداتهم بـ(3) مليارات دولار، وهي فوائد الدين الداخلي. لكن الجماعة الحوثية تصر على مصادرة هذه الأرباح بحجة منع الربا في المعاملات التجارية والقروض.
تلجأ الجماعة الحوثية عادة إلى تضليل الجمهور العام بأنها تحقق إنجازات بدفع الرواتب وتسديد ديون المودعين. بينما الحقيقة هي أنها تلجأ لذلك للتخفيف من آثار قرارها بمصادرة أرباح المودعين بحجة محاربة الربا، حيث يعيش القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الحوثيين حالة شلل تام بسبب التنفيذ القسري لقانون منع التعاملات الربوية.
وتقدر التقارير قيمة أذون الخزانة والسندات الحكومية والفوائد المتراكمة عليها لأكثر من 20 سنة بأكثر من (5) تريليونات ريال يمني، وهو ما يعادل نحو (9) مليارات دولار، حيث تفرض الجماعة سعراً للدولار في مناطق سيطرتها يساوي 535 ريالاً.
الخطاب الحوثي يتسم بالتناقضات، مما يعكس أزمته الداخلية. ففي الوقت الذي يدّعي مقاومة العدوان، هناك اتصالات مع الأمريكيين واستعراض للعروض المغرية المقدمة لهم مقابل التخلي عن غزة، بما فيها تسليم القيادة الشرعية مربوطة إليهم.
وتظهر بوضوح تغريدات قياديي الحوثي كمحاولات لابتزاز التحالف وتحقيق مكاسب آنية. مثال ذلك تصريحات حسين العزي ومحمد علي الحوثي، التي تحمل رسائل مبطنة لأمريكا والسعودية والمجتمع الدولي، مدّعين أن أي تصعيد سيؤدي إلى خسائر كبيرة للطرف الآخر.
في الختام:
على الشرعية أن توحّد الجبهة الداخلية وتعزز ثقة المواطنين بها من خلال تقديم نموذج رشيد في الإدارة، وتحسين الخدمات الأساسية ودفع الرواتب بانتظام، وتشكيل حكومة حرب فعّالة لإدارة البلاد.
وعلى المودعين توثيق حساباتهم قانونيًا والضغط شعبيًا وقانونيًا لاستعادة حقوقهم. كما يجب على الموظفين الاستمرار في المطالبة بحقوقهم المالية المشروعة، وخاصة الرواتب المتأخرة، ودعم الشرعية لتحسين الظروف المعيشية.
أما التحالف، فينبغي أن يدعم الشرعية بفعالية عبر تقديم استراتيجيات طويلة الأمد، والضغط دوليًا لعزل الحوثيين وإيقاف انتهاكاتهم، والتخطيط لإعادة بناء اليمن بعد الحوثي بما يضمن وحدة واستقرار الدولة وأمن وسلامة دول الجوار.
ختامًا، على الشرعية والتحالف أن يستثمرا التناقضات الحوثية، مع التركيز على كشف زيف شعارات الجماعة وتعريتها أمام الداخل والخارج. يجب أن تستعيد الشرعية زمام المبادرة لاستعادة المدن والموانئ، ووقف أي تدخل خارجي، بالتوازي مع تنفيذ استراتيجية شاملة لإعادة إعمار اليمن.
-->