شهدت الأيام الماضية تحركات مكثفة في صف الشرعية اليمنية تمثلت في اجتماعات ولقاءات أسفرت عن قرارات عسكرية تهدف إلى تحريك المياه الراكدة وإرضاء بعض الأطراف ويتوقع تغييرات في قادم الأيام ايضًا. ورغم هذه الجهود، يظل المشهد اليمني أكثر تعقيدًا مع ظهور تحديات جديدة، أبرزها إعلان الكيان الصهيوني عن تصعيد كامل في الحرب ضد الحوثيين.
التباينات داخل الشرعية
في خضم هذه الأحداث، لفتت الأنظار تغريدة للإعلامي جابر محمد، المقرب من مجلس القيادة الرئاسي، قال فيها:
"نحن في مرحلة تتطلب توحيد كل الجهود. وأول تلك الجهود هو الابتعاد عن خلط الأوراق لإرباك المشهد.
كل الشرعية، مجلس القيادة الرئاسي، الحكومة، ومؤسسات الدولة تعمل بانسجام سياسي وقانوني. حتى المتغيرات المنتظر حدوثها قريبًا ستكون لتعزيز الشرعية الدستورية عبر التجديد والتحديث على مستوى الأشخاص والسياسات."
تصريحاته جاءت بعد أن تولى العميد أبو زرعة المحرمي، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، ملف خلافات بين مدير مكتب رئيس الوزراء والأمانة العامة للمجلس، فصل بالتوصية بإقالة ثلاثة منهم. ورغم أن ذلك قد يبعث الأمل، إلا أنه يأتي في وقت تتفاقم فيه التحديات داخليًا وخارجيًا.
ما يُثير القلق هو غياب التناغم في الخطاب الرسمي بين أعضاء مجلس القيادة الرئاسي. ففي حين أصدر رئيس مجلس القيادة الرئاسي تهنئة عامة للشعب اليمني باسم المجلس، تلاه تغريدة بدقائق معدودة من نائب رئيس المجلس اللواء عيدروس الزبيدي بتهنئة موجهة لشعب الجنوب فقط. هذا التباين يُعكس انقسامًا داخليًا في لحظة تستدعي وحدة الخطاب والموقف لمواجهة التحديات الكبرى، ولعلّ ما غرد به اللواء الزبيدي قد يكون محبطًا لما صرّح به الإعلامي جابر محمد المتفائل.
التصعيد الصهيوني وتأثيراته
أعلن الكيان الصهيوني، عبر تقارير نقلتها صحيفة "التايمز"، دخوله في حرب كاملة مع الحوثيين. هذا الإعلان، الذي يُعد تصعيدًا خطيرًا، يُثير تساؤلات حول دوافعه وأبعاده.
يبدو أن دويلة إسرائيل تسعى لتصعيد الموقف بعد فشل القوى الكبرى، وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا، في تحقيق أهدافها ضد الحوثيين. التدخل المعلن يأتي بعد تصاعد الضربات الصاروخية والطائرات المسيّرة التي طالت تل أبيب ومحطة كهرباء جنوب القدس المحتلة، بحسب تصريحات الحوثيين.
الحوثيون، بتبنيهم نهجًا مشابهًا لاستراتيجية حزب الله اللبناني،" حيفا مقابل الضاحية" و "تل أبيب مقابل بيروت"، أعلنوا معادلات ردع تتضمن استهداف مطار بن غوريون ردًا على قصف مطار صنعاء، واستهداف محطة كهرباء جنوب القدس المحتلة ردًا على استهداف محطات كهربائية يمنية، رغم الفارق الكبير كما تعلمون.
أبعاد التدخل الإسرائيلي يخدم الحوثي
التدخل المعلن يحمل أبعادًا خطيرة، أبرزها:
•شرعنة موقف الحوثيين: استخدام الكيان لمصطلح "النظام الحوثي" يمنح الحوثيين فرصة لتصوير أنفسهم كـ"مقاومة وطنية" ضد عدوان خارجي، مما قد يكسبهم تعاطفًا داخليًا وإقليميًا.
•تحفيز الدعم الإقليمي: قد يُشجع هذا الإعلان جماعات أو دولًا إقليمية على دعم الحوثيين، خاصة في ظل ارتباطهم بإيران ومحور "المقاومة".
•توحيد صفوف الحوثيين: قد يستغل الحوثيون هذا التدخل لتجاوز الخلافات البينية الحادة ولتقوية صفوفهم وإسكات أي أصوات معارضة داخل مناطق سيطرتهم.
كيف يضر التدخل الإسرائيلي بالشرعية؟
•إضعاف الموقف الوطني: الشرعية تعاني من انقسامات داخلية، وعدم توحيد الخطاب السياسي، وعدم وجود موقف واضح من الحوثي والمتدخلين الخارجيين، مما يجعلها عاجزة أمام الحوثيين الذين يديرون الحرب ضد دول كبرى مثل أمريكا وبريطانيا، بينما تُستهدف مكتسبات اليمن دون المساس بالحوثي وقوته.
•زيادة الضغط الدولي: التدخل الإسرائيلي قد يوجه الأنظار بعيدًا عن القضية الأساسية، وهي استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب، ليصبح الصراع أكثر تعقيدًا وبأجندات خارجية.
•تعميق الأزمة الاقتصادية: هذا التصعيد سيزيد من تدهور الأوضاع الاقتصادية في اليمن نتيجة لارتفاع المخاطر الأمنية، مما يُضعف موقف الشرعية أمام الشعب اليمني.
انعكاسات التصعيد على الإقليم
التدخل الصهيوني يُهدد استقرار الإقليم بأكمله عبر:
•إضافة بُعد جديد للصراع يُزعزع أمن البحر الأحمر.
•تحفيز الجماهير العربية في المنطقة على التضامن مع الحوثيين، كون دويلة اسرائيل تعتدي عليه وعلى اليمن.
•زيادة التدخلات الخارجية في الملف اليمني، مما يُطيل أمد الصراع.
ما يجب فعله لمواجهة التحديات
على الشرعية تبني استراتيجية شاملة تشمل:
• توحيد الصف الوطني: العمل على توحيد الجهود والخطاب لمواجهة الانقلاب الحوثي.
•تعزيز الدبلوماسية: تكثيف الجهود الدبلوماسية مع الحلفاء لتخفيف التصعيد وايقاف العدوان الصهيوني.
•معالجة الأوضاع الداخلية: تحسين الوضع الاقتصادي والخدمي لقطع الطريق على استغلال الحوثيين للأزمات.
•تعزيز القدرات الدفاعية: حماية المياه الإقليمية وتأمين الملاحة البحرية.
• إعلان رؤية واضحة: تقديم استراتيجية وطنية لإدارة الصراع واستعادة الدولة بعيدًا عن التدخلات الخارجية.
ختامًا
إعلان الكيان الصهيوني عن تصعيد الحرب في اليمن يُعد تطورًا خطيرًا يُفاقم من معاناة الشعب اليمني، ويُعقد المشهد السياسي والعسكري.
على الشرعية اليمنية أن تُدرك أن الحل يكمن في توحيد الجهود الداخلية وتكثيف العمل الدبلوماسي والدفاعي لمواجهة التحديات. تصعيد إسرائيل لا يخدم إلا الحوثيين، ويُعرض الإقليم لخطر أكبر، مما يستدعي تحركًا عاجلًا وحكيمًا لانهاء الانقلاب ولإعادة الشرعية وتحقيق السلام.
-->