الدعم السعودي طوق نجاة... لكن الشكر يفتقد المأسسة!

د. علي العسلي
السبت ، ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٢٤ مساءً

في لحظة بالغة الدقة والحساسية، كانت الشرعية اليمنية تتأرجح على حافة الانهيار بفعل أزمة اقتصادية خانقة وانقسامات سياسية وإدارية. 

 

جاء الدعم السعودي، المتمثل في الدفعة الرابعة من الوديعة السعودية والبالغ 500 مليون دولار، كطوق نجاة يعيد الأمل ويمنح الحكومة اليمنية فرصة جديدة للتنفس.

 

 هذا الدعم السعودي السخي لم يكن مجرد مبلغ مالي، بل هو رسالة تحمل في طياتها حرص المملكة العربية السعودية على الحفاظ على مجلس القيادة الرئاسي وحكومته وعلى استقرار اليمن، وتحسين الأوضاع المعيشية وتخفيف معاناة شعبه. 

 

وقد وُجه الدعم لتغطية النفقات الحكومية، كالأجور والمرتبات، ودعم الإصلاحات الاقتصادية، وتمكين القطاع الخاص، وتعزيز الأمن الغذائي، وتطوير المؤسسات الحكومية.

 

رغم أهمية هذا الدعم وتأثيره المباشر، أظهرت ردود أفعال الشرعية اليمنية ضعفًا واضحًا في العمل المؤسسي. بدلاً من أن يصدر شكر موحد من جهة رسمية تعبر عن الدولة ككل، تنافس أعضاء مجلس القيادة الرئاسي ووزراء في الحكومة على إصدار تصريحات فردية يشكرون فيها المملكة بشكل شخصي.

 

 هذا النمط من السلوك يعكس غياب التنسيق والتخطيط، ويُبرز افتقار الشرعية اليمنية لآليات مؤسسية تضمن تقديم موقف جماعي متماسك يُظهر الدولة ككيان واحد.

 

 كان الأجدر إصدار بيان رسمي باسم الحكومة أو مجلس القيادة الرئاسي للتعبير عن الشكر بطريقة تعكس الاحترام للمملكة، وتعزز الثقة في قدرة الشرعية على العمل كمؤسسة.

 

الدعم السعودي ليس مجرد دفعة مالية، بل اختبار لجودة أداء الشرعية في استغلال هذا الدعم لإحداث تغيير حقيقي في الاعتماد على الموارد المحلية وتنميتها.

 

 لا يمكن للشرعية الاكتفاء بإبداء الامتنان، بل يجب أن تُظهر كفاءة في إدارة المرحلة. يتطلب ذلك توجيه الموارد والتخصيص الأمثل بشكل شفاف ومنظم، وضمان تحقيق أهداف استراتيجية تعود بالنفع على الشعب اليمني.

 

 المأسسة ليست ترفًا إداريًا، بل ضرورة لبقاء الدولة. بدون خطاب مؤسسي موحد، وخطط واضحة، وآليات رقابة ومساءلة، ستظل الشرعية اليمنية غارقة في دائرة من التخبط والمزاجية والفوضى التي تمنعها من استغلال الفرص المتاحة.

 

الدعم السعودي جاء في وقت مفصلي، ليمنح الشرعية اليمنية شريان حياة جديد. لكن هذه الفرصة لن تكتمل ما لم يُدرك مجلس القيادة الرئاسي ضرورة التحول إلى كيان مؤسسي متماسك. 

 

على الشرعية اليمنية أن تستثمر هذا الدعم لتثبت قدرتها على قيادة المرحلة المقبلة، من خلال تحسين أدائها المؤسسي والإنتاجي، واستئناف التصدير، وتحسين الإيرادات، وتعزيز ثقافة العمل الجماعي، وبناء الثقة مع الشعب والمجتمع الدولي. 

 

إن استمرار غياب المأسسة لن يُفقد الشرعية فرصتها فحسب، بل قد يعيدها إلى حافة الانهيار مرة أخرى.

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي