دائمًا ما يحاول الحوثيون خلق تناقض صارخ بين الادعاء والواقع، حيث يقدمون صورة زائفة عبر وسائل الإعلام عن أوضاع سجونهم. في برامج دعائية، تظهر تلك السجون وكأنها مراكز تأهيل فاخرة تهدف لتحسين صورتهم أمام الداخل والخارج. إلا أن الواقع يكشف وجهًا آخر مروعًا. شهادات الناجين تسلط الضوء على ظروف قاسية تنعدم فيها أبسط معاني الإنسانية. ومن لم يسمع ما قيل وما يُقال عن معاناة الكاتب الصحفي يحيى الجبيحي وولديه، حمزة وذو يزن، فعليه سؤالهم، سيمع ما يجعل الأبدان تقشعر من فظاعة ما عانوه وما رأوه وما سمعوه وما وصفوه عن معاناة زملائهم داخل سجون سيِّد الأسرى والمختطفين.
رغم ادعاء الإعلام الحوثي أن السجون هي بمثابة "فنادق خمسة نجوم"، فإن العديد من المفرج عنهم يفارقون الحياة بعد أيام قليلة نتيجة التعذيب والإهمال الذي تعرضوا له. شهادات الناجين تكشف عن التعذيب المنهجي داخل الزنازين المظلمة، حيث يُستخدم الضرب والتعليق لفترات طويلة كأدوات يومية لإذلال السجناء. الإهمال الطبي وحرمان المعتقلين من العلاج والزيارات يزيد المعاناة، كما تُفرض الإتاوات للحصول على أي معلومات عنهم أو لدفع فدية للإفراج عنهم. ألا يحق لنا تسمية عبد الملك الحوثي بـ"سيِّد الرهائن"؟ إنها سجون "سيِّد الكهوف الخمسة نجوم".
المثير للسخرية أن أغلب المعتقلين لا علاقة لهم بالسياسة أو المعارضة للحوثيين، مما يجعل الانتهاكات أكثر قسوة. التهم الجاهزة مثل التجسس والعمل لصالح المخابرات الأجنبية أصبحت وسيلة لتصفية الخصوم. بعد تهديد الكيان الصهيوني باغتيال قادة الجماعة، أعلن الأمن الوقائي الحوثي القبض على شبكة زُعم أنها تعمل لحساب المخابرات الإسرائيلية والأمريكية. البيان الذي أُصدر في هذا الشأن زعم أن تلك الشبكة كانت تتبع عبد الملك الحوثي وتنقل إحداثيات عن موقعه، وإن صحَّ ذلك، فإن سيّدهم بات معروفًا باعترافهم. شهادات الناجين كشفت أنهم كانوا يسمعون صرخات التعذيب المستمرة، مما زاد من الأثر النفسي عليهم. إنها سجون "سيِّد صعدانا"، التي لا مثيل لها في العالم.
المعاناة لم تقتصر على الرجال، بل امتدت إلى النساء أيضًا، اللواتي يُستخدمن كوسيلة للابتزاز بشكل منهجي. النساء في سجون الحوثي يتعرضن لانتهاكات جسدية ونفسية مروعة. الاعتقال لا يقتصر على السجينات السياسيات فقط، بل يشمل أحيانًا أقاربهن كوسيلة للضغط. شهادات موثقة تحدثت عن تعذيب جسدي، تحرش، وحتى اغتصاب، مما يترك أثرًا نفسيًا واجتماعيًا مدمرًا على الضحايا وأسرهن.
الاختفاء القسري يمثل وجهًا آخر من الانتهاكات. السياسي محمد قحطان يُعد من أبرز الأمثلة على ذلك، إذ تمّ اختطافه في أبريل 2015 ولم تتلقَّ أسرته أي معلومات عنه منذ ذلك الحين. هذه الاستراتيجية تعكس سعي الحوثيين لترويع خصومهم واستخدام المختطفين كورقة ضغط. مئات اليمنيين يعانون المصير ذاته، حيث لا يزال مصيرهم مجهولاً. إنها "سجون سيِّد المجهول" و"سجون سيِّد الظلام".
التقارير تشير إلى أن سجون الحوثيين تُعد مصانع للألم والموت. الزنازين ضيقة وخانقة، والطعام بالكاد يكفي لإبقاء السجناء على قيد الحياة. التعذيب الجسدي والنفسي يُمارس بشكل منهجي لإرهاب المعتقلين وكسر إرادتهم. إنها "سجون سيد القهر". وصل الأمر إلى احتمال تصفية المفكرين والمثقفين، مثل الدكتور محمد حاتم المخلافي، الذي أُجبر على تقديم اعترافات زائفة بأنه عميل للمخابرات الأجنبية. كما أن الدكتور يوسف البواب، الأكاديمي المرموق وأستاذ اللسانيات بجامعة صنعاء، لا يزال معتقلاً منذ أكتوبر 2016 بتهم كيدية وحُكم عليه بالإعدام. اعتقاله يُظهر العداء الحوثي للعلم والتعليم، إذ أنجز 11 كتابًا وأشرف على أكثر من 30 بحثًا علميًا. إنها "سجون سيد الجهل".
الإعلام الحوثي يحاول تغطية هذه الجرائم من خلال حملات دعائية تظهر السجون كأماكن إنسانية توفر خدمات للسجناء. لكن هذه الادعاءات قوبلت بسخرية واسعة من المجتمع اليمني، خاصة بعد تسريب صور ووثائق تكشف الظروف الحقيقية. الصورة الذهنية التي تُعرض من خلال تلك المشاهد القاسية تهدف إلى خلق حالة من الخوف الشديد في المجتمع، مما يدفع الناس إلى الصمت خوفًا من الاعتقال أو الاختطاف. هذا الخوف أدى إلى شلل جماعي، حيث أصبح الجميع عاجزين عن مواجهة هذه الانتهاكات. إنها سجون "سيِّد الإذلال والتخويف".
لا يمكن السماح لهذه الجرائم أن تمر دون محاسبة. يجب توثيق الانتهاكات بدقة ودعوة المجتمع الدولي للضغط على الحوثيين للإفراج عن المختطفين وإغلاق السجون السرية. كما يجب على أهالي الضحايا مواصلة المطالبة بحقوقهم لتحقيق العدالة وضمان عدم تكرار هذه الجرائم. على "سيِّد السجون السرية" أن ينهي سجونه قبل أن تُكشف وفضيحته تصبح علنية وقريبة جدًا.
إن الحقيقة المُرَّة التي تظهر من خلال شهادات الضحايا وأسرهم تقف في مواجهة الأكاذيب التي يحاول الحوثيون ترويجها. سجون الحوثيين ليست إلا مرآة تعكس وجههم الحقيقي: جماعة قائمة على القمع والتنكيل. وبينما يحاولون تجميل صورتهم بالدعاية المضللة، تبقى أصوات الضحايا أقوى دليل على بشاعة ما يحدث خلف الأبواب المغلقة. إنها "سجون سيّد البشاعة".
فلا بد من تحرير اليمن من قِبَل أحرار اليمن، لا بد من سحق الباغي ودك سجون الظالمين. لا بد للشعب من هدم السجون ووكور المجرمين. ولله در الشاعر عباس الديلمي، حين قال:
"هدّم الشعب السجونا ووكور المجرمينا
ومضى يحمي العرينا"
قريبًا، بحول الله، سيحقق الأبناء ومن بعدهم الأحفاد ما حققه الآباء والأجداد.
خميسكم مبارك، وجمعتكم مقدّمًا مباركة.
-->