في خضم الجهود السعودية والأممية الحثيثة لإبرام خارطة طريق قد تُنهي سنوات الصراع في اليمن، برزت تطورات مفاجئة أعادت ترتيب الأوراق على طاولة المفاوضات. العقوبات الأمريكية الأخيرة على محافظ البنك المركزي المفروض حوثيًا في صنعاء وبعض شركات الصرافة بدت وكأنها ورقة ضغط جديدة، بينما جاءت تغريدات الشيخ عبد العزيز العُقاب، الذي يدعي اطلاعه على كواليس المفاوضات، لتثير التساؤلات حول مدى قرب الأطراف المعنية من التوقيع أو ابتعادها عنه.
لماذا العقوبات الآن؟
يبدو أن الولايات المتحدة أرادت من خلال هذه العقوبات إرسال رسالة واضحة للحوثيين للالتزام بالاتفاقات الاقتصادية والتوقف عن ممارسات تضر بالاقتصاد اليمني. في المقابل، تواصل السعودية جهودها في خلق أجواء مواتية للوصول إلى اتفاق شامل. إلا أن تصريحات العُقاب، الذي يصف نفسه بداعية سلام، أضافت طبقة أخرى من الغموض؛ فقد بدا وكأنه يميل لصالح الحوثيين في تصويرهم كضحايا يسعون للسلام، بينما تُظهر الوقائع أنهم الطرف المعطل للاتفاقات السابقة.
دور العُقاب في المشهد
العُقاب، الذي ظهر مؤخرًا كشخصية مثيرة للجدل، ذهب إلى حد اتهام السلطة الشرعية بأنها كانت العقبة الرئيسية أمام تحقيق السلام، متجاهلًا خروقات الحوثيين المتكررة.
وكما قال العُقاب بأن المملكة العربية السعودية ترغب في ضمان الجوار الآمن بصورة مستمرة في إطار رؤيتها المستقبلية وسياسة "صفر مشاكل مع الجوار". ومع ذلك، لا يمكن تفسير جهود المملكة بأنها تنازلات للحوثيين، فالمملكة تركز على إنهاء الصراع بما يحقق مصالح الشعب اليمني دون الإضرار بأمنها القومي.
حديث العُقاب تضمن إشارات متناقضة، إذ أشاد من جهة بدور السعودية في "التيسير والترويض"- وضعوا خط على الترويض -، وذكر دولًا وجهات أخرى مثل سلطنة عمان والأمم المتحدة ومجلس التعاون الخليجي ودول أوروبية، لكنه لمح من جهة أخرى إلى أن العقوبات الأمريكية هي المعيق الحقيقي دون أن يجرؤ على تسميتها صراحة.
تصريحاته الواثقة بأن التوقيع سيحدث رغم كل التحديات تثير تساؤلات حول مصدر هذه الثقة. هل تعكس تصريحاته حقائق مستمدة من دهاليز المفاوضات، أم أنها مجرد قراءة شخصية تسعى إلى توجيه الرأي العام؟
الحقيقة على الأرض
المشهد على الأرض أكثر تعقيدًا مما يوحي به حديث العُقاب. جهود المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان والأمم المتحدة تركز وجهات اخرى-ذكرها في تغريدته- على قضايا أساسية كدمج البنك المركزي، استئناف تصدير النفط، تحسين الوضع المعيشي، وفتح الطرقات، وهي خطوات حيوية تحتاج إلى التزام واضح وصادق من جميع الأطراف.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن: من سيوقع على هذه الخارطة؟ وكيف يمكن ضمان تنفيذها؟ إذا كانت هناك خلافات وتباينات داخل الشرعية وإذا كانت بالأصل خارج التفاوض المباشر مع الحوثي حتى الآن بحسب معلومات العُقاب من كواليس الغرف المغلقة، فالتوقيع وحده لن يكون كافيًا.
يبدو أن العُقاب يروج لفكرة أن الخارطة ستُفرض على الشرعية، لكن هل هذا ممكن دون اتفاق شامل؟ أشك في هذا الطرح أو هذا التسريب الذي قد يكون لا يخدم السلام بل يعرقل الوصول للتوقيع!
نحو سلام حقيقي
اليمنيون بحاجة ماسة إلى سلام شامل ينهي سنوات النزيف المأساوي. استمرار الحرب لا يخدم أحدًا سوى تجار السلاح وأصحاب السوق السوداء، بينما يعاني الشعب اليمني من الفقر والجوع والانقسام.
تحقيق السلام يتطلب إرادة سياسية تتجاوز العقبات الداخلية والخارجية، مع التزام الأطراف بتنفيذ الاتفاقات.
الأمل ما زال قائمًا، لكن تحويله إلى واقع يحتاج إلى شجاعة ومسؤولية.
التوقيع على خارطة الطريق يجب أن يكون بداية لمرحلة جديدة تضع مصلحة اليمن وشعبه فوق كل اعتبار، وتؤسس لإنهاء الانقلاب، وتسليم الأسلحة، والتراجع عن كل إجراء تم بالمخالفة للدستور والقانون.
فهل ستنجح هذه الخارطة في تحقيق ذلك؟ الأيام القادمة وحدها تحمل الإجابة.
-->