على الحوثي أن يوقّع أو سيقع
اليوم، تقف اليمن عند مفترق طرق حاسم: إما توقيع خارطة طريق نحو السلام، أو الوقوع في أتون حرب جديدة قد تكون أكثر ضراوة ودموية. ومع تكثيف النشاط الدبلوماسي في الرياض، يتساءل اليمنيون: هل الحوثي نضج سياسيًا بما يكفي للتوقيع على خارطة الطريق؟ أم أن المكابرة والعناد سيغلبان مرة أخرى؟
في ظل هذا المشهد، تبدو الشرعية في موقف دقيق لا يُحسد عليه. فهي تُواجه ضغوطًا دولية وإقليمية هائلة للتوقيع على خارطة طريق قد لا تخدم الشعب اليمني على المدى الطويل بقدر ما تخدم الحوثي ومصالحه الضيقة. الشرعية أمام اختبار صعب: هل يمكنها الصمود أمام هذه الضغوط، أم أنها قد تُقدِّم تنازلات تُحسب عليها تاريخيًا؟
خارطة الطريق: بين الأمل والمخاطر
خارطة الطريق التي يتم الحديث عنها تحمل نقاطًا تبدو في ظاهرها خطوات نحو بناء الثقة، لكنها قد تكون مجرد تنازلات تُمنح للحوثي دون مقابل واضح. من بين البنود المقترحة:
1. توحيد البنك المركزي مع توريد عائدات النفط إلى هذا البنك، دون وضوح حول مكان مركزه أو آلية إدارته.
2. استئناف تصدير النفط وفتح مطار صنعاء وميناء الحديدة، وهي مطالب حصرية للحوثي.
3. تشكيل حكومة مشتركة، وإنشاء لجان متخصصة لتطبيع الحياة العامة والتهيئة لعملية سياسية شاملة.
لكن هذه البنود تتجنب القضايا الأكثر حساسية، مثل نزع سلاح الحوثي، إنهاء سيطرته على مؤسسات الدولة، ووقف تغييراته في المناهج التعليمية وفصل الموظفين واستبدالهم بعناصر تابعة له.
الأهم من ذلك، أن الخارطة، كما وُصِفت، تفتقر إلى ضمانات وآليات واضحة تُلزم الحوثي بالتنفيذ. من سيراقب تنفيذ الاتفاق؟ ومن سيضمن أن الحوثي سيلتزم بعدم استغلال البنود لصالح تعزيز نفوذه؟
الحوثي بين التوقيع والمكابرة
الكرة الآن في ملعب الحوثي. فإن كان جادًا في تحقيق السلام، عليه أن يوقّع فورًا على ما تم التوصل إليه، وأن يتخلى عن المكابرة والمراوغة. لكنه إذا استمر في العناد، فإنه سيقع في مواجهة مباشرة مع المجتمع اليمني والإقليمي والدولي الذي يبدو أنه قد نفد صبره تجاه تعنته.
الحوثي يعتمد حتى الآن على استراتيجيات المماطلة والربط بين القضية اليمنية وصراعات إقليمية أكبر. هذه الاستراتيجية قد تمنحه الوقت، لكنها تضعه تحت ضغوط دولية وإقليمية متزايدة. المجتمع الدولي، كما يبدو، لم يعد مستعدًا لتحمل سلوكه المتهور الذي يهدد الأمن الإقليمي والدولي.
هل نضج الحوثي للتوقيع؟
رغم الحديث عن استعداد الحوثي للتوقيع، فإن الشكوك حول نواياه تظل قائمة، خصوصًا مع استمرار تهديداته بضرب موانئ السعودية ومنشآتها وخزاناتها النفطية. الحوثي قد يوقّع إذا كانت الخارطة تمنحه مكاسب ملموسة، مثل تدفق الإيرادات وتخفيف الضغوط الدولية، لكن إذا تضمنت أي بند يمس قوته العسكرية أو نفوذه السياسي، فمن المرجح أن يرفض أو يماطل في التنفيذ.
طبخة الرياض: سلام أم استرضاء مؤقت؟
ما يجري في الرياض يبدو وكأنه محاولة لإنتاج "اتفاق استرضاء مؤقت" يهدف إلى تجميد الصراع، وليس إنهاءه. البنود المطروحة تركز على تخفيف حدة التوتر، لكنها لا تعالج جذور المشكلة، ولا تضع حلولًا نهائية للقضايا الجوهرية.
خارطة الطريق قد تكون شبيهة بالمبادرة الخليجية، مع آليات تنفيذ مزمنة، لكنها تفتقد إلى الحوكمة الصارمة أو الضمانات الكافية. إن كان الهدف هو كسب الوقت أو تخفيف التصعيد، فإن الاتفاق قد يُعطي الحوثي فرصة لإعادة ترتيب صفوفه، وليس خطوة حقيقية نحو السلام.
نحو أي طريق؟
اليمن بحاجة إلى سلام حقيقي، وليس إلى هدنة مؤقتة. الحوثي أمام خيارين: إما التوقيع على خارطة طريق تضمن مصالح الشعب اليمني، أو مواجهة عواقب عناده واستمراره في التعنت.
نقد الشرعية
في المقابل، لا يمكن إغفال مسؤولية الشرعية. فإذا استجابت للضغوط الدولية والإقليمية ووقّعت على اتفاق يفتقر إلى ضمانات تضمن حقوق الشعب اليمني، فإنها ستكون قد وضعت نفسها أمام مساءلة تاريخية. الشرعية مطالبة اليوم بتقديم رؤية واضحة، تتجنب فيها تقديم تنازلات غير مبررة، وتُظهر فيها التزامًا بمصالح اليمنيين، وليس الخضوع للإملاءات.
ختامًا، على الحوثي أن يدرك أن العالم لم يعد يتحمل رعونته، وعلى الشرعية أن تدرك أن التوقيع على خارطة طريق تخدم الحوثي دون الشعب اليمني لن يُغفر لها. فهل سيوقّعون أم سيقعون؟
-->