منذ عام 2011، دخلت الدول العربية في موجات متتالية من الثورات والثورات المضادة، بدعم من الأنظمة الملكية التقليدية، وتدخل القوى الغربية لتعطيل مفاعيل التغيير. جاء "الربيع العربي" كنتيجة حتمية للأوضاع المتشابهة والمطالب المشروعة بالتغيير، إلا أن الرد كان قاسيًا ودمويًا، حيث لجأت الأنظمة إلى القوة بدل الاستجابة لشعوبها. ورغم سلمية الحراك العربي واندفاعه بصدور عارية، لم يكن هناك استجابة لمطالب الإصلاح، مما قاد إلى العنف والفوضى.
منطقتنا العربية بين الهوية والتحديات
منطقتنا العربية، التي تُعد مهدًا للديانات السماوية، وعلى رأسها الإسلام، دين العدل والإنسانية، الذي يضمن حفظ الكليات الخمس: الدين، النفس، العقل، النسل، والمال، وهي القيم التي تحفظ استقرار المجتمعات وازدهارها، تتعرض لمحاولات مستمرة لإغراقها في فوضى تهدف إلى تدمير الإنسان والحضارة. هذه الفوضى لا تقتصر على العنف والتطرف، بل تشمل أيضًا محاولات لتدمير معتقدات الناس وتغييرها.
استهداف نفسية الإنسان العربي وسيادة بلاده وأمنه القومي
أصبحت وسائل الإعلام أداة تستخدمها قوى إقليمية ودولية لإبراز قضايا تخدم أجنداتها الخاصة. الهدف من هذه القضايا هو إدخال اليأس والإحباط إلى الشعوب العربية، مما يسهل تمرير خططها الاستعمارية ويبعدنا عن بناء دول ذات سيادة تحمي دستورها وكرامتها. وفي هذا السياق، تم إعطاء الكيان الصهيوني الضوء الأخضر لممارسة عدوانه بحجة الدفاع عن النفس، فيما تضخم دور الميليشيات الدينية، سواء الشيعية أو الداعشية، لتبرير التدخلات الخارجية، مما حول هذه الميليشيات إلى أدوات وظيفية تهدف إلى زعزعة الاستقرار وتدمير المجتمعات العربية.
اكتشاف الوجه الحقيقي للغرب
اتضح خلال السنوات الماضية أن الدول الغربية الديمقراطية لا تهدف إلى ترسيخ سيادة القانون في منطقتنا، بل تدعم جماعات مسلحة لتحقيق مصالحها، وعندما تتحقق أهدافها، تنقلب عليها وتُعدّ البديل الذي يخدم مصالحها الجديدة. هذا الدور يوضح حقيقة أن الغرب ليس مهتمًا بنشر الديمقراطية، بل بتنفيذ أجنداته التي قد تتعارض مع مصالح الشعوب العربية.
حاجتنا لدولة القانون: فهي المستقبل الأفضل
إن دول المنطقة، سواء في اليمن أو في سوريا، ليبيا، السودان، أو لبنان، متعطشة لدولة القانون والديمقراطية. تمتلك هذه الدول موارد كافية لنهضتها، لكنها بحاجة إلى إنهاء دور الميليشيات والجماعات المسلحة، محتاجة لإنهاء الحروب والصراعات لتمكين شعوبها من استغلال هذه الطاقات في تطوير البشرية. لا ينبغي أن تظل هذه الدول بين خيارين: طلب المساعدات الإنسانية أو التحول إلى بؤر للعنف وتهديد الأمن والسلم الدوليين.
اليمن: بين الهوية والصراع
اليمن ليس استثناءً من هذه الفوضى التي تجتاح منطقتنا، بل هو نموذج لصراع داخلي وخارجي معقد. فقد عانى من انقلاب على الدولة لتحقيق أجندات غير يمنية. ومع ذلك، يظل استرداد الدولة مسؤولية وطنية لا يمكن التنازل عنها. في مؤتمر الحوار الوطني الشامل، شارك الحوثيون كمكون سياسي، وتضمنت مخرجاته ضمانات لمعالجة قضية صعدة، حتى أنهم شاركوا في صياغة مسودة الدستور بتمثيل أكبر من حجمهم. لكن الأوامر الخارجية دفعتهم للنقض والانقلاب على التوافق.
نضال اليمن: معركة استعادة الهوية والدولة المستقلة الجامعة
نضال اليمن ليس مجرد تقليد لصراعات الدول الأخرى، بل هو معركة مستمرة لاستعادة الهوية اليمنية والدولة المستقلة الجامعة. يجب إعادة السلاح إلى الدولة واسترداد المؤسسات بعيدًا عن الاعتبارات السياسية المتعلقة بمواقف الحوثيين تجاه قضايا إقليمية، لأن مواقفهم ليست سوى وسيلة لتعزيز بقائهم في السلطة.
الحلول المطلوبة في اليمن: الحوار والضغط الدولي
في الوقت الذي يلجأ الحوثي للتصعيد وتزداد التحديات الداخلية والخارجية في اليمن والمنطقة، تظل الحلول السياسية والدبلوماسية هي الأفق الأوسع. يجب أن تستمر الجهود لإحياء مؤتمر الحوار الوطني الشامل والسعي لتنفيذه، مع ضمان مشاركة كافة الأطراف السياسية والمجتمعية بما في ذلك الأطراف التي لم تنخرط بعد في عملية السلام. الحوار هو السبيل الأمثل للوصول إلى تسوية شاملة تكون نابعة من الداخل، تضمن الحقوق والواجبات لجميع اليمنيين.
على الرغم من تدخلات قوى إقليمية ودولية، لا يزال للمجتمع الدولي دور كبير في تحقيق السلام في اليمن. يجب أن يتم تفعيل آليات الأمم المتحدة بشكل أقوى، وتكثيف الدعم الإنساني، مع التأكيد على ضرورة احترام سيادة اليمن واستقلال قراره السياسي. لا بد من أن يكون المجتمع الدولي حازمًا في فرض الضغوط على الطرف الحوثي المعرقل للسلام لضمان تنفيذ الاتفاقات.
من الحلول: استغلال الموارد البشرية والطبيعية في اليمن
اليمن يمتلك موارد بشرية وطبيعية كبيرة يمكن أن تشكل قاعدة قوية للنهضة الاقتصادية. يجب أن يتم استغلال هذه الموارد في مشاريع تنموية حقيقية تهدف إلى رفع مستوى معيشة المواطنين وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
ومن الحلول كذلك: إعطاء دور للإعلام المستقل
الإعلام هو أحد الأدوات القوية في تشكيل الرأي العام، وبالتالي يجب أن يكون الإعلام في اليمن أكثر استقلالية وموضوعية. يجب توفير منصة إعلامية محايدة تكون مصدرًا للمعلومات الدقيقة، وتركز على بناء الوعي الاجتماعي والسياسي، وتوجيه الرأي العام نحو قضايا الوحدة الوطنية والتعاون بين أبناء الوطن. كما يجب أن تكون الديمقراطية وحكم القانون أساسًا لعملية البناء السياسي. ومن أجل ذلك، يجب تعزيز التعددية السياسية وإعطاء المجال لجميع القوى السياسية الشرعية للمشاركة في العملية السياسية.
التعاون الإقليمي والدولي لتحقيق السلام أمر في غاية الأهمية
إلى جانب دعم المجتمع الدولي، يجب تعزيز التعاون الإقليمي بين الدول العربية لدعم عملية السلام في اليمن وضمان عدم تحويل اليمن إلى ساحة لصراعات بالوكالة. واليمن بحاجة إلى إعادة تأهيل المؤسسات اليمنية التي تم تدميرها أو اختراقها من قبل الميليشيات.
ومن الحلول: الاهتمام ببناء الإنسان
الحروب القائمة ينبغي ألا تنسينا التركيز على التعليم وبناء الإنسان، فذلك أحد العوامل المحورية لتغيير الواقع الاجتماعي والاقتصادي في اليمن.
ختامًا: التكاتف لاستعادة الدولة
نسأل الله أن يجنب اليمن وسائر الدول العربية ويلات الحروب، وأن يلهم شعوبها طريق الحكمة والتعايش السلمي. إن استقرار هذه الدول لن يتحقق إلا بالتكاتف المحلي والإقليمي والدولي لدعم بناء الدول على مبادئ الديمقراطية واحترام سيادة الدول، بعيدًا عن الميليشيات والعنف والصراعات. إن السبيل إلى استعادة الدولة في اليمن يتطلب إيمانًا راسخًا بمبادئ الوحدة الوطنية، والحوار الشامل، وتعزيز الديمقراطية. لا ينبغي أن تبقى اليمن رهينة للصراعات الإقليمية أو الانقسامات الداخلية. إن نجاح اليمن في استعادة سيادته واستقراره مرهون بإرادة الشعب اليمني، ودعم وتعاون المجتمع الإقليمي والدولي.
تهانينا وتبريكاتنا لقيادتنا السياسية وشعبنا العظيم بالذكرى الـ 57 للاستقلال الوطني المجيد. سائلين المولى جل وعلا أن تعود هذه المناسبة في العيد الـ 58، واليمن يعيش تحت سقف دولة مدنية اتحادية. كل عام والجميع بخير.
-->