وتعود الحكاية ذاتها، وعادوا وتبخرت من على وجوههم ماء الكرامة، أصبحت إيران وجهتهم الجديدة القِبلة البرجماتية للبيع الرخيص، للرق الممنهج وللشحاته، إيران التي تُصدِّر الموت وآلاته، الحقد وشعاراته الطائفية، إيران التي لم تكره الحرف والنبي العربي والقرآن والسنة فحسب، بل أصبح الحقد في قلوبهم أفران تحرق رموز الأمة، الخلفاء الراشدين، القادة العرب، روادة الإسلام الفاتحين، الصحابة جُلُهم إلا ثلاثة منهم...
فتحوا باباً جديدًا للفرس للصفوية التي جسدها كتاب "الشاه نامه" للفردوسي إيران التي لم تنم حقداً ومكائدًا للعرب من معركة ذي قار قبل الإسلام ومرحلة الفاتحين الذين دكوا أسوار كسرى، تعرضت اليمن للخيانة خانها اليوم أذناب إيران فتحوا لها أبواب صنعاء حاضرة العرب كي تنتقم من قادسية سعد بن أبي وقاص قديمًا وقادسية صدام حسين في التاريخ المعاصر، ينتقمون من يمن العروبة ورائدة الفتوحات الإسلامية، ابتلعوا العاصمة العربية الرابعة، رقصوا على أبوابها طرباً بعودتهم من جديد..
تنقَّبوا بنقاب الآل تلفعوا ثياب القداسة، وضعوا سيوفهم على رقاب العرب ثانيةً تحت راية التشيُع، أحجيةً كانت وستظل لتمرير أوراق النفوذ لاستعادة امبرطوريةكسرى على الخليج على بلدانه المطله على مضيق باب المندب على اليمن وأرض الشام وأنهار العراق..
عادوا عن طريق أصحاب الهوى السياسي والفقر الوطني جهلة القرى وصعاليك السياسة، يممَ قليلي العقول في ثمانينات القرن الماضي إلى طهران طريقهم، على مرأى ومسمع من نظام العكفة، كانت صعدة محطة سفير طهران الطويلة، في مخالفة لكل قوانين وقيم الدبلوماسية الدولية كان يلتقي بمن يريد.. في فضيحة مدوية نَخَّ الجيش الذي لم يُبنَ على أسس وطنية، وإيران تحرث أرض اليمن تُلقي بذور الفتنة هنا وهناك، تُهرب الأسلحة تصنع الزيف في عقول الطامعين وأشباه البشر أغمظت الحاضنة عيناها صُمُوا وكأن في آذانهم كان وقرًا ..
حاضنةٌ عمياء انقادت لهم أطلقت على نفسها الألقاب الحيوانية تكريس مجتمعي لواقعٍ أليم، وثقافةً لا تتجاوز مساحات الزرائب واسطبلات مواشي النقل وصيد الجوارح، بعد أن كان اليمنيون يلقبون بالهمداني، والحميري، والحاشدي، والصبري، والشرعبي، والمدحجي، واليافعي والخولاني والمقطري والردفاني والكندي والعولقي..
باتت ألقاب الجمل والربح "القرد" الزرافة، الثعل، الفُسيِّل، الثور، الحنش، الغراب، النمر، الوحش، الجمل، الفهد، والطير ألقابهم طغى السلوك الحيواني، ولن تجد متورد سلالي واحد خلع على نفسه مثل تلك الألقاب.. بل بدر الدين وشمس الدين والعماد وسيوف الإسلام شرف الدين وحفظ الله وأمة الملك وأمة الله والصوفي والسيد والشريف إلخ إلخ ليضيفوا لشخوصهم قوة ومهابة في نفوس الناس..
مكنتهم الطائفة التي حولت اليمن إلى مقبرة واسعة وشعاب موحشة، منذ مقدم يحي الرسي في العام 284ه وحتى الهدم الحوثي لبيوت أهالي رداع محافظة البيضاء وحتى الساعة، أدى ذلك إلى تكاثر شريحة الجمرة الخبيثة وانتشارها كالفطر تستنسخ شخوصها ينقضون على مساجدهم ومدارسهم مزارع وبيوت أبناء عمومتهم هدمًا وحرق، يرقصون على جثث الضحايا.. كانوا خدامًا لدى باب الإمامة باتوا بعدها متكسبين لدى بلدان الجوار، سلوكياتهم ليس لها مثيل وليسوا كباقي البشر..
قامت ثورة 26 سبتمبر لتخليصهم من رق ورباق العبودية على أيدي أماجد خُلَّص أنجبهم فحول الوطن ليخرجونهم من جحيم العذاب حاولوا تلقينهم معاني الحرية والوطن أعرضوا.. تعاطفت معهم مصر عبدالناصر رائد القومية العربية وفريق حكمة، أناس من خارج اليمن والجغرافيا الصعبة دفعوا بأفواجاً من جيش كامل التسليح أحرار مصر الكنانة...
دعموا التعليم وبناء الدولة ارسلوا جيوش من المدرسين والساسة والاداريين، مدنيين وعسكريين هدموا مع شرفاء اليمن وأحرارها أوكار النسانس وبيوت الثعالب، جحور الأفاعي وأعشاش العناكب، رغم كل ذلك لا زال الكثير من العكفة أدوات قذرة للقتل والنهب والهدم هوام من أراد سوقها تنساق أينما أراد..
حاولت الثورة تحويلهم من معاول للهدم، وأكتاف لحمل السلاح، وحناجر لاطلاق الهتافات، والصرخات مع كل ناعق، من أتباع إلى منتجين قادة وأصحاب قرار، ومن جيوب مخزوقة لا تشبع وأيادي لا تتورع، إلى حاملي مبادئ قومية وقيم وطنية! إلَّا أنهم عجزوا فأين الخلل وأين تكمن المعضلة؟
كانوا ولازالوا في سباق دائم مع الفساد، عُمال جُل اهتمامهم من سيجني أكثر، من سيخدع أكثر، ومن سينافق مولاه أكثر، حاول الوطنيون منعهم من التسول والوقوف على الأبواب ودافعي أموال السُحت ، فوج من مشايخ يذهب وآخر يأتي تتقاطع رحلاتهم في الطرق أحياناً، لم يتركوا جراء فعالهم عند أسيادهم المعطين وشعوبهم لليمني سمعةً أو كرامة، ورثوا أحفادهم الهوان وشُح الكرامة.. وهنا الخلل وهنا تكمن المعضلة..
-->