في تصريح حديث، قال حسين العزي، القيادي في جماعة الحوثي: "صنعاء والرياض قطعتا شوطاً مهماً على طريق السلام وتظهران تصميماً تضامنياً مشتركاً على إنجاز هذه الغاية النبيلة، لذلك لن تسمحا لأي طرف فرعي داخل التحالف بمواصلة عرقلة هذا المسار. وأعتقد من المهم أيضًا أن تتخلى أمريكا عن موقفها المعيق للسلام."
لا شك أن السلام له أهمية بالغة للشعب اليمني الذي يتوق إليه على الدوام. السلام ليس مجرد غاية نبيلة، بل هو حاجة ملحة لإنهاء معاناة اليمنيين التي طال أمدها بسبب الصراع الذي أشعلته جماعة الحوثي. إلا أن تصريحات العزي تبدو كأنها مجرد شعارات سياسية تفتقر إلى الأساس الواقعي، وتحتاج إلى تحليل دقيق لتقييم مدى واقعيتها.
خارطة الطريق السعودية التي تحولت إلى أممية تهدف إلى إنهاء الصراع في اليمن من خلال نقاط رئيسية، منها:
وقف شامل لإطلاق النار.
فتح الموانئ والمطارات وفك الحصار عن المدن، وتخفيف القيود على ميناء الحديدة لتسهيل وصول المساعدات.
معالجة أزمة الرواتب وتوحيد النظام المصرفي والمؤسسات الاقتصادية.
إطلاق مفاوضات سياسية شاملة.
ورغم الزخم الدولي الذي حظيت به المبادرة، فإن التنفيذ يواجه تحديات كبيرة على أرض الواقع. فقد أظهرت التقارير أن أكثر من 20 مليون يمني بحاجة إلى مساعدات إنسانية، وأكثر من 4.5 مليون شخص نزحوا بسبب النزاع المستمر، ما يعكس عمق الأزمة الإنسانية التي يعاني منها الشعب اليمني. إضافة إلى ذلك، تشير الإحصاءات إلى أن أكثر من 250 ألف شخص قتلوا أو أصيبوا منذ بداية الحرب، ويعاني ملايين من اليمنيين من سوء التغذية، والافتقار إلى الرعاية الصحية الأساسية.
إن ادعاء العزي بأن صنعاء والرياض "قطعتا شوطاً مهماً على طريق السلام" يبدو أقرب إلى وصف دعائي مبالغ فيه، خصوصًا مع غياب أي مؤشرات ملموسة على الأرض، مثل:
استمرار الانتهاكات: الحوثيون يواصلون خروقاتهم لهدنة وقف إطلاق النار أخرها عدوانهم على منطقة الكدحة، غرب محافظة تعز، واتفاق ستوكهولم ينتهكونه منذ نهاية 2018، والسلطة السرعية تراجعت في اجراءاتها بشأن البنوك، إلا ان الحوثي مستمر في إجراءاته الانفصالية في مهام ووظائف البنك المركزي، ومؤخرًا حشدوا إلى الحديدة وحفروا الخنادق فيها، بحجة أن أمريكا تعد لاحتلال الحديدة، وهذه الانتهاكات تجري ومسكوت عنها من قبل "اللجنة المشتركة لإعادة الانتشار"، التي تم تأسيسها في إطار اتفاق ستوكهولم الذي تم التوصل إليه في ديسمبر 2018 بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي بوساطة الأمم المتحدة، بهدف مراقبة وتنفيذ وقف إطلاق النار وإعادة الانتشار في مدينة الحديدة وموانئها.
تفاقم الأزمة الإنسانية: المدن ما زالت محاصرة، وأبرزها تعز، مع استمرار عرقلة تصدير النفط.
التصعيد في البحر الأحمر: الحوثيون يستهدفون السفن التجارية والنفطية، ما يشكل تهديدًا للملاحة الدولية.
هذه الممارسات تُظهر تناقضًا واضحًا بين تصريح هذا الحوثي وسلوك جماعته على الأرض.
"التصميم التضامني" الذي أورده (العزي) حقيقة أم وهم؟
ما تحدث عنه حسين العزي من تضامن بين صنعاء والرياض يثير الشكوك، حيث أن التضامن الحقيقي يتطلب تنازلات حقيقية، وهو ما لم يظهر الحوثيون استعدادًا لتقديمه. الحوثي دائمًا بين الموافقة الظاهرية والتعطيل الفعلي. والحوثي يستخدم التصعيد كأداة ضغط، حيث يستغل استهداف السفن والملفات الأمنية والاقتصادية لتحقيق مكاسب سياسية، على حساب معاناة الشعب اليمني.
إن محاولة العزي تحميل الأطراف الفرعية داخل التحالف مسؤولية تعثر السلام تُظهر رغبة في إثارة الفتنة بين السعودية والإمارات. هذا الاتهام لا يخلو من محاولة لتبسيط أسباب الأزمة وتحريف الحقائق، خصوصًا وأن الحوثي هو المعرقل الأساسي لجهود السلام من خلال تمرده وانقلابه وممارساته وانتهاكاته المستمرة.
إلقاء اللوم على أمريكا بأنها "معيقة للسلام" يمثل محاولة للتهرب من المسؤولية الحقيقية للحوثيين في تعطيل المبادرات السلمية. الموقف الأمريكي تأثيره موجود لا شك فيه، إلا أنه ليس السبب الوحيد لتعثر السلام. جذور الصراع تكمن في الممارسات الحوثية التي تعرقل أي جهود لإنهاء الأزمة. وهو بهذا التصريح يشي إلى استجابة السعودية لضغوط أمريكية، ما يُظهر تناقضًا، إذ يعترف الحوثي بقطع شوط مع السعودية، لكنه يلمّح إلى أن الضغوط الأمريكية قد أعاقت تنفيذ خارطة الطريق.
الحوثيون يحاولون إنكار أن موقف أمريكا جاء نتيجة لهجماتهم على البحر الأحمر. إذ يعد البحر الأحمر شريانًا حيويًا للتجارة الدولية، وأي تهديد للملاحة فيه يعتبر تجاوزًا للخطوط الحمراء محليًا وإقليميًا ودوليًا. الحوثيون يستخدمون استهداف السفن كوسيلة ضغط لتحقيق مكاسب سياسية محلية.
السلام في اليمن لن يتحقق بالتصريحات فقط، بل يتطلب إرادة حقيقية والتزامًا عمليًا من جميع الأطراف. ومن المهم أن يتحمل جميع الأطراف مسؤوليتهم تجاه الوضع في اليمن، وفي الطليعة السلطة الشرعية ومكوناتها باعتبارها مسؤولة عن كل اليمنيين، والفاعلون الإقليميون والدوليون-أيضًا- يتحملون جزءًا من المسؤولية. ومن الأهمية بمكان أن تعمل السعودية والإمارات على ضبط مواقفهما داخل المناطق المحررة بما بعزز السلطة الشرعية وهيبتها، وأن تبذل الأمم المتحدة جهودًا أكبر لضمان تطبيق قراراتها على الأرض. كما أن أمريكا، بالرغم من مواقفها المثيرة للجدل، بحاجة إلى لعب دور أكثر إيجابية في دفع الأطراف نحو الحلول السلمية بدل الاتهامات لروسيا بالتدخل بالشأن اليمني .
إن السلام يتطلب إجراءات ملموسة مثل إطلاق سراح الأسرى، إنهاء حصار المدن، وفتح الممرات الإنسانية. وإعادة بناء الثقة يجب أن يكون عبر خطوات متبادلة تعكس الجدية في تحقيق السلام. كما أن دور المجتمع الدولي يتطلب تفعيل دور الأمم المتحدة والدول الفاعلة لتوجيه الجهود نحو بناء سلام شامل ومستدام.
أختم فأقول: إن السلام في اليمن هو حلم يستحقه الشعب اليمني، لكنه لن يتحقق ما لم تتغير العقلية الحوثية التي تعرقل كل مبادرة. على الحوثيين أن يثبتوا جديتهم بالتوقف عن المماطلة وفتح باب الحوار مع الشركاء اليمنيين. إذا كانوا قد قطعوا شوطًا مع السعودية، فإن عليهم أن يذهبوا للتوقيع على خارطة الطريق وإنجاحها. وعلى المجتمع الدولي أن يكون له موقف أكثر صرامة وجدية لضمان السير بالمسار السياسي السلمي في اليمن، وأن يتحمل الجميع المسؤولية في هذا الصراع الطويل.
-->