القضية اليمنية على طاولات حكام البيت الأبيض
نعم، تُعدّ الأزمة اليمنية حاضرة، لكنها لا تتصدر قائمة الاهتمامات كما هو الحال مع السعودية والإمارات وإيران. يعود الاهتمام الأمريكي أساسًا لتشابك مصالح تلك الدول المحيطة باليمن، لذا فإن أولوية الملف اليمني تتفاوت وفقًا للسياسات الأمريكية في المنطقة.
تكتسب اليمن أهميتها من موقعها الجغرافي الاستراتيجي، وتندرج ضمن مقاربات أوسع تشمل الأمن الإقليمي، مكافحة الإرهاب، مواجهة النفوذ الإيراني، وأحيانًا حقوق الإنسان. ومع ذلك، تبقى المشكلات اليمنية في مرتبة أقل –بدليل هذا الامتداد الزمني لها دون حل- مقارنةً بدول أخرى كالسعودية وإيران.
مقاربة الحزبين الديمقراطي والجمهوري للصراع في اليمن
الجمهوريون: يميلون للتركيز على المصالح الاستراتيجية الاقتصادية والأمنية للولايات المتحدة، مثل مكافحة الإرهاب والحد من نفوذ إيران، ويدعمون التحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين. ظهر هذا التوجه جليًا خلال إدارة ترامب التي خففت من الضغط على التحالف السعودي في اليمن.
الديمقراطيون: غالبًا ما يعطون الأولوية للتسويات السياسية ولسياسة الاحتواء، ويُولون أهمية للاتفاق النووي مع إيران، بينما يعارضون التدخلات العسكرية الممتدة باستثناء ما يتعلق بإسرائيل. فعلى سبيل المثال، قامت إدارة بايدن بمراجعة دعمها للتحالف العسكري السعودي، وعلقت التسليح والدعم اللوجستي، مما أتاح للحوثيين مزيدًا من المكاسب. كما ضغطت على السلطة الشرعية والتحالف العربي للتنازل والسعي نحو حلول سياسية، وركزت على المساعدات الإنسانية التي استفاد منها الحوثيون بدرجة كبيرة.
رؤية بريطانيا لليمن وتأثيراتها على المواقف الأمريكية
تُعتبر بريطانيا لاعبًا رئيسيًا في الملف اليمني بحكم خبرتها التاريخية الاستعمارية في اليمن ودورها الدبلوماسي في مجلس الأمن كحاملة للقلم للقرارات المتعلقة باليمن. ويخشى من تأثرها من الماضي واتباع سياسة (فرق تسد)، عموما هي في طليعة الدول الرباعية المتسلمة الملف اليمني، إضافة الى أمريكا والسعودية والامارات.
وعادةً ما تدفع باتجاه حلول سياسية ومبادرات إنسانية، وتسعى لتحقيق توازن بين علاقتها بالسعودية والإمارات وموقفها الساسي مع امريكا. تتقاطع هذه الرؤية أحيانًا مع منهجية واشنطن، مما يدفع بريطانيا لتشجيع الولايات المتحدة على اتخاذ موقف داعم لحلول السلام، خاصة مع الحكومات الديمقراطية.
وقد يكون للحكومة الجديدة تمايز عن الحكومة السابقة فيما يخص الشأن اليمني وكل القضايا الساخنة بالمنطقة. علما بأن بريطانيا عضو فاعل في تحالف الازدهار ضد جماعة الحوثي في البحر الأحمر.
الفروق بين فترتي (ترامب) و(بايدن)
بالفعل، هناك فروق واضحة:
إدارة ترامب: دعمت السعودية والتحالف، واعتبرت ميليشيا الحوثي تهديدًا بسبب دعمهم الإيراني. ويتوقع أن يعيد تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية عند عودة (ترامب) للبيت الأبيض، مما قد يسهم في تعزيز السلطة الشرعية إن استغلت هذا التحول لصالحها.
إدارة بايدن: تبنت نهجًا مغايرًا، ورفعت تصنيف الجماعة الحوثية المتمردة من قائمة الإرهاب، بحجة دوافع إنسانية، كما أوقفت الدعم اللوجستي والعسكري للسعودية، وركزت على تحقيق هدنة ومبادرات سياسية.
تغييرات محتملة مع عودة ترامب للرئاسة
في حال عودة ترامب للرئاسة، قد نشهد تغييرات في السياسة تجاه اليمن:
1. موقف أكثر حدة تجاه العصابة الحوثية وإيران: من المرجح أن تصاحب عودته خطوات صارمة ضد الحوثيين، ويعيد إدراجهم كمنظمة إرهابية، مما قد يضيق على خياراتهم.
2. دعم التحالف العسكري بقيادة السعودية: الجمهوريون، وخاصة ترامب، يرون في السعودية والإمارات شركاء استراتيجيين، وقد يعيدون تقديم الدعم للتحالف العسكري في اليمن.
3. أولوية الأمن الإقليمي: الجمهوريون عادةً يركزون على الجانب الأمني، وقد يكون هذا على حساب الأولويات الإنسانية، ما قد يؤدي إلى عودة التصعيد العسكري.
4. توسيع جهود مكافحة الإرهاب: من المتوقع تكثيف العمليات ضد القاعدة وداعش، بما يعزز التعاون مع الحكومة اليمنية الشرعية .
5. تراجع فرص الحل السلمي السريع: قد يتقلص التركيز على الوساطات السياسية، ويتزايد الاعتماد على الضغط العسكري لتحقيق التفاوض.
مدى استفادة السلطة الشرعية اليمنية والتحالف العربي من تغيير الكراسي في أمريكا
1. استغلال اختلاف الاستراتيجيات: يمكن للحكومة اليمنية استثمار العلاقة مع الديمقراطيين فيما تبقى من ادارتهم للتوقيع على خارطة الطريق السعودية، فلربما الحوثة خوفًا من القادم يوقعون. ومن المؤكد أن تحالف دعم الشرعية اليمنية سيعمد إلى تقوية علاقاته مع الحزب الجمهوري لتلقي دعم أكبر في الجانب العسكري.
2. توظيف الملف الإنساني: يمكن الاستفادة من رغبة الحزب الديمقراطي في تحسين الوضع الإنساني للضغط على إدارة بايدن بفصل ملف اليمن عن ملف غزة بغض النظر عن ادعاء الحوثي، والسماح بتوقيع خارطة الطريق التي أصبحت أممية من أجل دعم جهود السلام ورفع المعاناة، كتحييد الاقتصاد وتوحيد النظام المصرفي وإيصال المساعدات لمستحقيها.
3. التعاون في مكافحة الإرهاب: يمكن للسلطة الشرعية استغلال دعم الحزبين لمكافحة الإرهاب لتعزيز التنسيق مع الولايات المتحدة.
تأثير السياسات الأمريكية على الجماعة الحوثية
بما أن الحوثيين قد استفادوا من سياسات الاحتواء والدعم الإنساني التي اتبعتها إدارة بايدن، فإنهم قد يتأثرون سلبًا بتغير الكراسي في البيت الأبيض لصالح الجمهوريين. فعودة الجمهوريين قد تعني عودة تصنيفهم كمنظمة إرهابية، وهذا قد يفرض عليهم خيارات صعبة، مثل قبول المفاوضات أو مواجهة المزيد الضغوط العسكرة ومن العزلة الاقتصادية والدولية.
ختامًا، يمثل التداول بين الحزبين الأمريكيين فرصًا وتحديات أمام اليمنيين؛ فيمكنهم تعديل استراتيجياتهم وفق السياسات الأمريكية المتغيرة لتعزيز فرص إنهاء الانقلاب والحرب وكل اشكال الصراع وتحقيق الاستقرار، دون المساس بالثوابت الوطنية والقضايا القومية.
-->