شهدت العاصمة عدن اليوم إشهار "التكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية".
وعلى الرغم من أهمية هذه الخطوة في مظهرها، إلا أنها في جوهرها تكشف عن الفشل في مأسسة العمل الحزبي نفسه، وهذا الفشل ليس بجديد، فهو معروف ولم يعالج حتى الآن.
الأحزاب اليوم تعاني من انعدام المأسسة، وأصبحت قياداتها العليا مثل قيادة السلطة الشرعية قراراتهم ومواقفهم مغيبة تماماً لمؤسساتهم الشرعية ولمستوياتهم التنظيمية، إذ لا تعرف عن كل ما يجري إلا عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي .
بات القرار الحزبي مصادَرًا، وأصبحت الاجتماعات الحقيقية والمشاورات الداخلية شبه منعدمة، حيث تقتصر على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل عابر ،والقرار يتخذ من عدد محدود ، مما أدى إلى تعطيل المؤسسات الحزبية كما تعطلت مؤسسات الدولة.
قد يعود هذا القصور إلى عدة أسباب، منها ثقافة المجتمع اليمني، والاتكال المفرط على رمزية القادة، بالإضافة إلى الفردية والديكتاتورية التي يُمارسها بعض المسؤولين البارزين في الأحزاب والسلطة على حد سواء.
كما أن الحرب المستمرة قد تكون من أبرز أسباب هذا الفشل، مع عدم إغفال الدور السلبي للعوامل الخارجية.
ومن اللافت أن يعيد هذا التكتل إشهار (22) حزبًا ومكونًا سياسيًا كان أغلب الناس قد نسوهم ولم يعودوا يطالبونهم بأي شيء أو حتى ينتقدونهم.
فبغيابهم، تركت الساحة للميليشيات والجماعات المسلحة للتحكم في حياة اليمنيين ومصائرهم واقتصادهم.
لقد تخلت الأحزاب عن دورها، وقرر الشعب اليمني أن مناشدتهم أو انتقادهم لا جدوى منه، إذ أن فاقد الشيء لا يعطيه.
كان من المفترض أن يتضمن هذا الإشهار اعترافًا صريحًا بفشل التكتلات السابقة، وأن يتم تشخيص جدّي للأسباب التي أدت إلى الإخفاق المتكرر لهذه التشكيلات.
ترى.. كيف يمكن أن نثق في هذه النسخة من التكتل، بينما لم تسبقها حوارات حقيقية على مستوى القيادات الحزبية ولم يتوفر لها تقييم موضوعي؟!
من الواضح أن معظم هذه الأحزاب قد أسست تكتلات مشابهة في السابق، لكنها لم تحقق شيئًا يُذكر. ولهذا، لا أرى ما يدعو إلى التفاؤل بإمكانية نجاح هذا التكتل الجديد. رغم أنني أدعو له بالنجاح والتوفيق وأن يتمأسس ويُعمم وجوده في جميع المحافظات، إلا أنني أخشى أن يتحول إلى مجموعة بيادق يُستدعى ويتداعى أعضاؤها عند الحاجة فقط.
أهداف التكتل وأهمية مصداقيته
ينص بيان التكتل على أن تأسيسه جاء نتيجة لشعور الموقعين بانسداد أفق الحل السياسي وتفاقم معاناة المواطنين، وكذلك نتيجة لأخطاء القوى السياسية والسلطة الشرعية وتباينات المصالح والرؤى.
هذا التكتل، هل يُعدّ معالجة جادة لهذه القضايا؟ إذا كان فعلًا كذلك، فإنني أؤيده، رغم عدم وجود مستويات قيادية حقيقية للأحزاب تقف خلف هذا التشكيل.
أما بالنسبة لهدف التكتل المعلن، وهو "استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب"، فهو هدف مهم لا جدال فيه، لكن تحقيقه يتطلب اصطفافًا سياسيًا يشمل الجميع، بما في ذلك المجلس الانتقالي كشرط ضروري للنجاح.
أما الشرط الكافي هو ان يكون الموقعين فاعلين وناشطين لدعم السلطة الشرعية وقراراتها في الميدان.
وبالنسبة فيما يخص اللائحة المقرة، كان لا بد من أن تُناقش اللائحة التنظيمية للتكتل في مؤسسات الأحزاب والمكونات ليتم ترجمتها على أرض الواقع التزامًا وتنفيذًا.
إن الالتزامات العامة التي وردت في بيان التكتل تبدو إنشائية وفضفاضة، فهي لا تعكس واقعًا ملموسًا.
وكان من الأجدر بالتكتل أن ينص البيان بالتأكيد على التزامه بالمرجعيات الثلاث المتفق عليها، وهي:
" المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني، والقرارات الدولية وخاصة القرار 2216".
وبالنسبة لبند التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة، المتعارضة مع فقرة لاحقة" التوافق والشراكة"، هي قيم جوهرية، لكن كان ينبغي أن يتم توضيح أن التوافق والشراكة يقتصران على المرحلة الانتقالية، لتجنب أي لبس قد يؤدي إلى انتقاص من هذا المبدأ.
وبالنسبة لورود القضية الجنوبية، وهي القضية الرئيسية الأولى في مخرجات الحوار الوطني، مزايدة ليس إلا، واقتراح وضع إطار خاص لها في الحلّ النهائي التفاف على المرجعيات المتفق عليها، بل هي نتيجة للتفاهمات والاتفاقات اللاحقة والتي لم تنفذ كما جاءت باتفاقات الرياض والمشاورات اليمنية-اليمنية.
والأمر ذاته ينطبق على الحفاظ على النظام الجمهوري في إطار دولة اتحادية، متفق عليها ايضًا في الحوار الوطني، وكان الأولى ذكر مخرجات الحوار الوطني كمرجعية رئيسية، بدل هذا الانتقاء المتعمد.
وبالنسبة لـــ "سادسًا" في البيان( يعتبر هذا التكتل امتدادًا لصيغ الشراكة والتوافق وجهود وحدة الصف، التي ابتدأت بالاصطفاف الوطني لمواجهة الانقلاب عام 2014م ...) بدون انضمام لمجلس الانتقالي للتكتل لا معنى لها وهي هدية مجانية له، ولذلك ظهر الضعف للتكتل في الفقرة "سابعًا" (يؤكد التكتل أن باعثه الأساسي هو تعزيز الاصطفاف الوطني من أجل إنهاء انقلاب مليشيات الحوثي واستعادة الدولة، وأنه ليس موجهًا ضد أحد من شركاء العمل السياسي... )!!!
التطلعات والتحديات في مسيرة التكتل الجديد
أستغرب من بيان الإشهار ذكره، لرؤية مشتركة لعملية السلام. فمن سيكون الطرف الآخر في هذا السلام، إذا كان الهدف هو استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب من انشاء هذا التكتل ؟ ومن الواضح أن الحوثي قد سدّ الأفق وأغلق كل أبواب السلام، ولا حلّ سوى مجابهته ميدانيًا. بعد إنهاء الانقلاب، يمكن الحديث عن السلام.
وكان الأجدر بالموقعين أن يتخذوا قرارًا بنقل مقراتهم الرئيسية إلى العاصمة المؤقتة عدن، وأن يُستأنف نشاطهم منها، بما في ذلك إصدار صحفهم وتجديد قياداتهم. كما لا ضير في دعوة جميع مؤسسات الدولة للعمل من العاصمة المؤقتة عدن.
في الختام
إلى الأحزاب: احترموا مأسسة أحزابكم، قبل أن تحلموا بمأسسة هذا التكتل أو غيره. فشل مأسسة الأحزاب يدل بوضوح على عجزكم عن تقديم حلول حقيقية وفعالة للمشهد السياسي اليمني. والله على ما نقول وكيل.
-->