اليمنيون ومشروع الخلاص

د. عبده مغلس
الخميس ، ٢٤ اكتوبر ٢٠٢٤ الساعة ١١:٠٩ مساءً

 

خلق الله الإنسان ليقوم بدوره في الأرض، في العبادية والتعايش والإعمار، ورافقت مسيرة تطور الإنسان في الأرض، عناية الله به من خلال هديه عبر النذر والرسل والأنبياء، حتى ختم رسالة دينه الإسلام وأكملها وأتمها، برسالته الخاتم وكتابه الخاتم، ورسوله ونبيه الخاتم، محمد عليه الصلاة والتسليم، وكتاب رسالة دين الله الخاتم، مُحدد فيه الهداية للإنسانية من الضلال، وهو النور المضيئ والهادي لها في ظلامها البشري، وهو طريق نجاتها في الدنيا والأخرة.

والمتابع للحرب اليمنية التي نتجت عن انقلاب الإمامة على الجمهورية، والأزمات التي نتجت عن ذلك، يجد أن الأزمة اليمنية يتحكم بها بعدين:

البعد الأول: البعد الديني للأزمة اليمنية.

فنحن كيمنيين من المسلمين، الذين هجروا كتاب الله لكتب الناس، وتركنا دين الله الحق، وتمسكنا بدين مذاهب الفقهاء من الناس، فانقسمنا وفقاً لكتب الفقهاء وديانات مذاهبهم، وأدعى كل مذهب أنه الفرقة الناجية وغيرها في النار، متناسين وصف وتبيان الله في محكم كتابه، لهذا الداء الذي فرق أهل الكتاب من اليهود والنصارى، بقوله سبحانه

{وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون} [البقرة : 113]

{وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير} [المائدة : 18]

{وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون} [التوبة : 30]

نحن اليوم نتبع منهج وسلوك أهل الكتب السابقة في سلوكهم، الذي حذرنا الله منه، في هذه الآيات البينات، فكل العناوين للمذاهب الإسلامية، تتدعي نفس دعوى اليهود والنصارى من أنها صاحبة الحق، فكل صاحب مذهب بشري، يدعي أنه متمسك بدين الله الحق، وغيره على الباطل، وينسى دعاة المذهبية أنهم ينتسبون إلى دين الخلق لا إلى دين رب الخلق، فدعاة التشيع ينقسمون للعديد من المسميات، ومنهم من جعل علي وابنائه في مقام يتجاوز الأنبياء والرسل، ونشأ عن التشيع الإمامة التي نكبت اليمن في انقلابها، في ٢١ سبتمبر ٢٠١٤ الموافق ليوم تنصيب البدر عام ٦٢، وربطت اليمن بإمامة ولاية الفقيه والتبعية لإيران، ورُفِعَتْ رايات المذاهب السنية المختلفة، وكل منها تحاول محاربة الإمامة ضمن مشروعها المذهبي الخاص، الذي يحوي في منهجه تقديس لأهل البيت وآل محمد، وهذا المنهج التقديسي، شَكَّلَ عائقاً عند البعض في هذه المواجهة، وفقاً لعمق درجة تقديس الأهل والآل.

ومن جانب أخر تجلى عمق عدم القبول عند بعض هذه التيارات لبعضهم، مما أضاف عائقاً لحسم المواجهة مع مشروع الإمامة، الذي أعلنته المليشيا الحوثية الارهابية وتستهدف به اليمن بكل مكوناته ومذاهبه.

هذه الأزمة ببعدها الديني تحتاج لمشروع خلاص فما هو؟

 

مشروع الخلاص من البعد الديني للأزمة اليمنية.

يكمن هذا المشروع بتصحيح المسار في البعد الديني للأزمة اليمنية، من خلال تقديم مشروع ديني يتكامل مع المشروع السياسي، يُفند ويصحح جذور العصبية المذهبية، ويسعى لتوحيد الصف، وفق مرتكز دين الله الحق، الذي حواه كتاب وحيه، وبَلّغه رسوله الصادق الأمين، ففيه تأليف وتآلف قلوب المؤمنين، يقول سبحانه:

{وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين * وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم} [الأنفال : 62-63]

وهذا المشروع الديني، عليه التفريق بين أمرين مهمين:

الأول: التفريق بين هاشمية المواطنة اليمنية، والتي ينتمي المؤمنون بها لليمن، الوطن، والدولة، والجمهورية، والمجتمع، وبين الهاشمية الإمامية، والتي ينتمي المؤمنون بها لمشروع إمامة الفقيه والتبعية لإيران وبقية اليمنيين عبيد لهم.

الثاني: مشاريع العنصرية والعصبية، المواجهة لعنصرية الإمامة، كعنصرية الأقيال وعصبيتها، وعنصرية المذهبية وعصبيتها، فلا يمكن معالجة العنصرية بعنصرية، بل بنسف عنصرية ابليس وعصبيته في الإمامة والآل .

 

البعد الثاني: البعد السياسي للأزمة اليمنية.

الإمامة مشروع سياسي للهيمنة والتسلط والحكم، عانى منه اليمن الدولة والشعب طوال تاريخ الإمامة، وأجمع اليمنيون بثورتي ٢٦ سبتمبر و١٤ اكتوبر على أن يكون مشروعهم السياسي لنظام الدولة اليمنية الموحدة، الضامنة للمواطنة الواحدة والمتساوية، هو النظام الجمهوري، وتحددت أهداف الثورتين ودساتير دولة الشطرين ودولة الوحدة لترسيخ ذلك.

غير أن الصراع الحزبي بين قوى النظام الجمهوري، وتأثر الحزبية بعوامل التكوين والنشأة والإنتماء، وهيمنة ثقافة الفيد والغنيمة والعصبية المناطقية والقبلية، لم تساعد على ترسيخ النظام الجمهوري، ولم يُرْفَدْ المشروع السياسي للجمهورية، بمشروع ثقافي داعم يبني العقل اليمني، ويزيل ما علق به من فقه عنصرية الإمامة، ويوحد مكونات الشعب.

لقد مر النظام الجمهوري بانتكاسات متعددة، أدت لهيمنة العصبية القبلية، على دولة الجمهورية، والتي لم تهتم بالمشروع السياسي والثقافي للجمهورية، الذي يؤسس لبناء مجتمع المواطنة الواحدة والمتساوية لكل اليمنيين، وهذه الهيمنة للعصبية القبلية، انتجت تداعيات حرب ٩٤، وثورة الشباب، وانقلاب الإمامة.

وعندما تهددت الوحدة والنظام الجمهوري وجوديا، تداعى العقلاء من نخب النظام الجمهوري، لمعالجة أثار هيمنة العصبية القبلية، ومعالجة جذور المشكلة اليمنية، فكان الحوار الوطني ومخرجاته، ومشروع الدولة الاتحادية، الذي عالج أساس الصراع في اليمن القائم على الهيمنة على السلطة والثروة، فكانت الدولة الاتحادية بأقاليمها الستة حلاً للتوزيع العادل للسلطة والثروة.

وكان هذا المشروع هو علاج البعد السياسي للأزمة اليمنية.

مشروع الخلاص.

مَثَّلَتْ العصبية بمختلف مسمياتها، والتمذهب، والغاء الأخر، وغيبة المشروع السياسي والثقافي لدولة الجمهورية، جذور الأزمة اليمنية وحروبها، ومشروع الخلاص الوحيد اليوم هو توحيد المشاريع المختلفة، تحت مشروع الخلاص المتمثل بدمج المشروع الديني القائم على دين الله الحق بكتاب وحيه، والداعي للأخوة الإيمانية والأخوة الإنسانية، مع المشروع السياسي والثقافي للدولة الاتحادية، في ضل شرعية الدولة اليمنية، المدعومة بتحالف دعم الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.

د عبده سعيد المغلس

٢٥ -١٠-٢٠٢٤ م

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي