أقترح وضع خارطة طريق شاملة لإنقاذ الاقتصاد اليمني، ترتكز على الحفاظ على المركز القانوني للسلطة الشرعية المعترف بها دوليًا، ومواجهة سلطة الأمر الواقع التي تسيطر على الثقل السكاني.
يتطلب ذلك إشراك الوسيط العماني والأمم المتحدة لضمان معالجة شاملة تشمل جميع مناطق اليمن.
كما يتوجب على رأس المال الوطني تحمل مسؤولية المشاركة الفعّالة في إنقاذ الاقتصاد، خاصة وأن معظم رجال الأعمال يعانون من قيود الحوثيين.
يمكن للمبادرات المحلية أن تلعب دورًا حاسمًا في الوصول إلى اتفاقات اقتصادية مؤقتة، بدعم من جهود الأمم المتحدة ومكتب المبعوث الأممي.
المسارات المقترحة:
1. المبادرات المحلية:
ينبغي إشراك زعماء القبائل والوجهاء والنشطاء في التوسط لفرض هدنة اقتصادية، مع الضغط لرفع النقاط الجمركية غير الرسمية وإنهاء الجبايات غير القانونية.
على سبيل المثال، هناك مبادرات عدة نجحت سابقاً، تمثلت بالإفراج عن العديد من المعتقلين والأسرى، وأخرى في شق ورصف الطرق وبناء المدارس، وفتح الطرق ونقل الأغذية، وإنشاء صناديق تنموية لتمويل مشروعات المياه والبنية التحتية، مما ساهم في تحسين الظروف المعيشية وتقليل التوترات الاجتماعية.
2. المبادرات الأممية:
على الأمم المتحدة أن تلعب دورًا محوريًا في تنسيق هدنة اقتصادية مؤقتة تشمل دفع الرواتب المنقطعة منذ عام 2016، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية.
على سبيل المثال، برنامج الأغذية العالمي (WFP) في اليمن ركز على تقديم المساعدات الغذائية الطارئة، حيث تلقى نحو 13.1 مليون شخص حصصًا غذائية في عام 2023. يمكن الاستفادة من هذا النموذج لإنشاء ممرات إنسانية.
يُمكن للمبعوث الأممي تشكيل لجان اقتصادية مشتركة لضمان توحيد السياسات الاقتصادية ومراقبة التضخم وأسعار السلع الأساسية، مما يسهم في تقليل معاناة المواطنين في مختلف المناطق.
3. دور رأس المال الوطني:
استفاد رأس المال الوطني من المواطن اليمني دون أن يقدم له الدعم الكافي عند اشتداد البلاء.
تحالف رأس المال مع الأنظمة المتعاقبة وساهم في بقائها بحجة أن رأس المال جبان. حان الوقت لتحمل القطاع الخاص ورجال الأعمال مسؤولياتهم تجاه الوطن عبر المشاركة الفعّالة في تحييد الاقتصاد والمصارف والغذاء عن الحرب الدائرة.
يمكن لهذا القطاع الضغط لفتح الممرات التجارية وتبني سياسات اقتصادية تخدم مصالح المواطنين. في لبنان، على سبيل المثال، ساهم رجال الأعمال في تمويل مشاريع البنية التحتية بعد الحرب الأهلية، مما ساعد على تسريع الانتعاش الاقتصادي. وينبغي أن يكون هناك مبادرات مماثلة في اليمن، مع تشكيل جماعة ضغط من رجال الأعمال لتوحيد السياسات النقدية وتوفير الخدمات الأساسية بأسعار رمزية.
4. الوساطة العمانية:
بإمكان السلطة الشرعية والتحالف التوجه نحو سلطنة عُمان لتسهيل المفاوضات بشأن استئناف تصدير النفط وحماية المنشآت الحيوية. سبق أن نجحت عُمان في الملف النووي الإيراني، وأيضا في تقديم تسهيلات للمفاوضات بين الأطراف اليمنية فيما بينها، وبين الحوثي والمملكة كذلك ، ويمكن استثمارها لتعزيز الجهود الاقتصادية في اليمن دون أن يؤثر على المركز السيادي والقانوني للسلطة الشرعية.
المراحل الزمنية لخارطة الطريق:
المرحلة الأولى: التدخلات العاجلة (1-3 أشهر)
تشمل إطلاق هدنة اقتصادية إنسانية برعاية الأمم المتحدة وعُمان، تتضمن دفع الرواتب ووقف الضرائب والجبايات غير القانونية.
يتم تشكيل لجان بالتنسيق مع المبعوث الأممي لإدارة السياسة النقدية وتقليل الفجوة بين أسعار الصرف في المناطق المختلفة.
كما يتم تفعيل المبادرات المحلية للضغط على الأطراف كافة من أجل الالتزام بالهدنة.
المرحلة الثانية: التدابير المتوسطة الأجل (4-12 شهرًا)
تركز هذه المرحلة على تفعيل اللجان الاقتصادية المشتركة لرصد المؤشرات الاقتصادية وتحليلها بشكل دوري، وفتح الممرات التجارية واستئناف تصدير النفط. كما يتم توحيد السياسات النقدية بين البنك المركزي في عدن والبنوك التجارية لتعزيز الاستقرار الاقتصادي.
المرحلة الثالثة: التدابير الطويلة الأجل (1-3 سنوات)
تتزامن مع جهود التسوية السياسية الشاملة، وتشمل تنفيذ مشاريع تنموية كبرى بمشاركة دولية لإعادة تحفيز الاقتصاد.
سيتم التركيز على إصلاح القطاع المالي والمصرفي وتعزيز الشفافية والمساءلة، إلى جانب تطوير القطاعات الإنتاجية مثل الزراعة والصناعة لتقليل الاعتماد على النفط.
المتابعة والتقييم (مستمر)
تُعقد اجتماعات دورية للجنة الاقتصادية المشتركة لمراجعة التقدم المحرز وتحديد المعوقات.
تُصدر تقارير شفافة حول النتائج الاقتصادية، ويتم مشاركتها مع المجتمع الدولي لزيادة الثقة في جهود الإصلاح.
أهمية التكامل بين المسارات الأربعة:
إن نجاح خارطة الطريق يتطلب التنسيق بين جميع المسارات المقترحة؛ حيث توفر المبادرات الأممية الطابع الرسمي للاتفاقات وتضمن إطارًا دوليًا للرقابة، بينما تضفي المبادرات المحلية القبول الشعبي والتأثير المباشر على الأرض.
يمكن لرأس المال الوطني أن يوفر الدعم المالي واللوجستي لتعزيز الاستقرار الاقتصادي؛ في حين تضمن الوساطة العمانية مشاركة جميع الأطراف دون الاعتراف بشرعية القوى غير المعترف بها دوليًا.
وخلاصة القول:
تشكل خارطة الطريق المقترحة إطارًا متينًا لوقف تدهور الاقتصاد اليمني واستعادة الاستقرار المالي والنقدي، حيث تسعى لوقف تدهور العملة واستئناف تصدير النفط، مما يسهم في تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين.
يجب أن تتكاتف جميع الجهات المعنية—من صناع القرار إلى رجال الأعمال والمجتمع المدني والشباب والمرأة —لتشكيل قوة ضاغطة لتحقيق الأهداف المرجوة.
بتعزيز التعاون وتوحيد الجهود، يمكن فتح آفاق جديدة نحو إعادة الإعمار والتنمية، والعمل معًا لإنهاء الأزمة الاقتصادية واستعادة الأمل بمستقبل أكثر إشراقًا لليمن، قائم على توزيع عادل للثروة والسلطة وتحقيق استقرار دائم.
أختم بنصيحة لفخامة رئيس مجلس القيادة وأعضاء المجلس الرئاسي:
الاستماع لكل من يقدم أوراقًا لحل تدهور العملة أو نصائح بشأن الملف الاقتصادي، والالتقاء بهم للتدارس حول سبل إعادة التوازن لسوق الصرافة. أذكر منهم، على سبيل المثال، نائب وزير المالية السابق الدكتور منصور البطاني.
وجمعة مباركة على الجميع..
-->