لو تعرض شعب من شعوب الأرض أيّاً كانت قدراته إمكانياته وحجمه لمِا تعرضت له فلسطين أرضًا وإنسان، من المؤامرات الإقليمية والدولية، والاستعمار الاستيطاني، والتجريف للأرض زراعةً وللعقل ثقافةً وعقائد، على مدى 75 عامًا، لكان قد ذاب كالملح في طعام الصهاينة وانتهى، ولم يعد له وجود، رغم كل ذلك ستبقى فلسطين بقداستها وقدسها لأنهم اصطدموا بشعب الجبارين الذي لن يقهر ولم ينحنِ ولم يُقهر ولم يذوب وستظل عصى السنوار في وجه كل أولئك ولن تنكسر لأن قضيتهم عادلة ومن تمسك بحبل الله فهو حسبه..
على مدى عقود وإيران تحاول أن تجد لها مكان في فضاء المصالح الإقليمية ومناطق النفوذ البري والبحري، ومزاحمةً دول الغرب التي تنتهب الثروات على مرأى ومسمع من العالم بما فيها الشعوب المستسلمة لقدر الحكام وهباتهم الزهيدة، حتى وجدت شعار القدس وقضية فلسطين لتركب على موجها وبها تشتري ثم تبيع..
استغرب الرئيس العراقي السابق صدام حسين عند لقائه مع بعض العلماء وممثلي بعض الحركات الإسلامية اندفاعهم تجاه الشعارات التي أطلقتها العمائم السود عقب ظهور الخميني وسقوط الشاه في العام 1979م وسألهم بغرابة هل صدَّقتم شعارات الفرس، وأن ثورتهم إسلامية ستدافع عن قضايا المسلمين وتحرير مقدساتهم؟ ألم تدركوا حتى اللحظة أهدافهم التاريخية ودعواتهم بأحقية السيادة والنفوذ على المنطقة وأن شعاراتهم مجرد غطاء لتلك الخطط اللعينة..
جاء ذلك على لسان الشيخ حسن الترابي في شهادته على العصر مؤكدًا أنهم خُدعوا كما أكد الدكتور يوسف القرضاوي غير مرة أنه خُدع، بشعارات الشيعة عندما حاول التقريب بين المسلمين وأنه لم يصغِ إلى نصائح العلماء، وبتواضع العلماء وصراحتهم اتهم نفسه بالغفلة وسوء فهم ما تحمله إيران وأذرعها من أهداف خبيثة وأن شعار الإسلام ما هو إلا أكذوبةً كبرى..
كم نحن العرب سذج سريعي الغضب، سطحيين، عديمي الإدراك لحظيين في الرؤية والأهداف، بمقابل عمق الفرس الاستراتيجي بعيد الأهداف شديدي الصبر والأناة، في سبيل الوصول إلى مراميهم، آبائي وأبناء قريتي كانوا يهتفون بثورة الخميني ويتهمون صدام حسين بعداوته للأسلام بنسخته الإيرانية، وأن حربه ضدهم مجرد محاولة لإطفاء تلك الشعلة يالها من فرية عشناها عاشها العرب والمسلمين..
ولم يصحُ العرب إلا على سيلٍ من العقارب والدَّبى والثعابين تزحف بين شعوب المنطقة مدعومة من إيران لخلخلة أنظمتها ونشر الفوضى، كي يسهل تمرير مشاريعها بنعومة ودون ضجيج، الدمار لشعوب المنطقة والقتل والجوع والسجون والخوف لسكانها.. ولإيران لشعبها السلامة ولبناها التحتية والصناعية التطور والازدهار..
في بداية الحرب على غزة قفز وزير الخارجية الهالك حسين أمبر عبد اللهيان معلنًا من أن إيران لن تتدخل بأي حرب في المنطقة، بعد توجيه أصابع الاتهام لها من قبل إسرائيل، تتنصل عن مسؤولياتها بحثًا عن السلامة وتفاديًا للوقوع في موجهة مباشرة مع إسرائيل، وهي تدرك أن معها أمريكا ومن روائها دول الاستعمار أجمهم وأنه إذا ما اشتعلت الحرب ستأتي على جذورهم وسحق ما بنته لعقود..
كان الرد الإيراني على مقتل قاسم سليمان ورفيقه المهندس خجولاً وبحسب تصريح الرئيس الأمريكي ترمب أنهم استأذنوه بالرد لحفظ ماء الوجه أمام أذرعها السذج، ولن يصيب الأمريكان جنودًا أو قواعد في العراق أي ضرر، قولاً صدَّقه العمل قلت حينها، ضربه انتقامية عبارة عن مساج لسور القاعدة الأمريكية فعلا كانت مسرحية هزيلة..
قامت إيران ببناء قواعد ومخازن أسلحة وأنفاق لتخزين الصواريخ في خطوط دفاع متقدمة لحفظ أمنها ومشروعها النووي والتوسعي في جبال اليمن، سوريا، والعراق، وجنوب لبنان الذي تعرض حزبه وقياداته لمذبحة تاريخية مكتملة، لم يسبق لجبهة أو مقاومة أن تعرضت لها عبر تاريخ الصراعات الحروب..
كثير من أصابع الاتهام توجهت صوب إيران تحديدًا بعد قصة شركة البياجر الايرانية وأنها ستقايض بالحزب بُنيته التحتية قياداته وجنودة، مقابل رضى أمريكا وإسرائيل وغض الطرف عن مشروعها النووي،التوسعي في المنطقة، والسيطرة على المضايق والبحار..فمتى كانت إسرائيل لها عدو؟ كان نصف تموينها من السلاح إسرائيلي إبان الحرب العراقية الإيرانية وكان لها اليد الاستخبارية الطولى في دعم إسرائيل لضرب مشروع العراق النووي في العام 1985م!..
أثار اغتيال إسماعيل هنية في طهران يوم الأربعاء 31 يوليو/تموز الماضي تساؤلات حول النظام الاستخباراتي الأمني الإيراني، لا سيما وأن الحادث كان في أحد دار الضيافة الي يديرها الحرس الثوري الإيراني في شمال العاصمة طهرن، اغتيل بعبوة ناسفة دقيقة مزودة بتقنية ذكاء اصطناعي وأن مكان اغتياله محدد في غرفة دون غيرها من الغرف والأجنهة فشل أمني فادح واختراق استخباراتي كارثي بدليل حملة الاغتيالات الواسعة التي شملت ضباط كبار ومسؤولين ايرانية من الوزن الثقيل..هل كانت صفقة في عالم السياسة والمصالح والنفوذ الساقط؟..
اليوم وبعد تصاعد التهديد الإسرائيلي لإيران وقرب موعد الرد على حماقاتها، الانتقام بسبب تورطها في زرع ميليشيات لإقلاق الأمن في المنطقة وتهديد الملاحة البحرية الدولية، ظهر وزير خارجيتها الجديد عباس عرافجي بائعًا معلناً عن تخليه عن حزب الضاحية الجنوبية والتنصل من تورطهم لاستهداف منزل نتنايهو الذي اعتبرته اسرائيل محاولة اغتيال شخصي وسيكون الرد بالمثل..
ذهب إلى أبعد من ذلك تصريحه بأن حل الدولتين في فلسطين لن يؤدي إلى استقرار ناصحًا للفلسطينيين بالعيش في كنف اسرائيل والتخلي عن فكرة المقاومة ضد الاحتلال اعتقدوا أن الزرع قد استوى وموسم والحصاد قد أقبل، أردوا أن يبيعوا القضية لتشتري إسرائيل لتحصل على جزء من الكعكة...هيهات إن الأمة قد استيقضت وأدركت اللُعبة ولن تترك لهم حدودها مفتوحةً كي يعبروا وشعوبها لهم بالمرصاد..
-->