"السنوار" وطريق الحرية 

موسى المقطري
السبت ، ١٩ اكتوبر ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٤٩ مساءً

ليس بمبرر أبداً الاستغراب أو الصدمة من رحيل "السنوار" أو غيره من القادة الذين يواجهون الكيان الغاصب فهذا هو مسلك كل جماعات التحرر قديماً وحديثاً ، ويرتكز هذا المسلك على أن ثمن الحرية غالٍ ولا مجال مطلقاً للتنازل أو التراجع أو الانكسار ، والثمن ليس فقدان القادة فقط لكنه يشمل كل الخسائر البشرية والمادية والتي لا تعد خسائراً وفق أدبيات ومرجعيات هذه الجماعات التحررية فقد وطنت نفسها منذ لحظات الرفض الأولى على لبس الأكفان لتحرير الأوطان ، واعتاد روادها ومريديها على أن البكاء في حضرة التضحيات خيانة ، والدموع إن سالت على خدود حملة النعوش فهو ضعف لا مبرر له ، وتلك هي الميزة التي ضمنت الحرية لكثير من شعوب الأرض .

 

قدمت ليبيا أكثر من مائة الف شهيد وهي تقاوم المحتل وفي مقدمتهم القائد "عمر المختار" وفي النهاية ذهب الإيطاليون يجرون أذيال الهزيمة ولم تنجح كل جرائم الإبادة والترويع في كسر شوكة عشاق الفجر الذين اعتبروا أن الشهداء هم ثمن الحرية ووقودها ، وكل قطرة دم سفكت أنبتت مقاوماً مغواراً لا يهاب لحظة الموت وكأنه جاء الحياة لأجلها فقط ، وقدمت الجزائر أكثر من مليون شهيد لتنال حريتها من المحتل الفرنسي فتم لها ذلك ، ولو أن الأحرار انشغلوا وقتها بإحصاء وتأبين الراحلين أو البكاء عليهم ما كانوا انقذوا بلدهم وشعبهم من الاحتلال ، ولكانت الجزائر فرنسية للأبد ، ونفس المشهد تكرر في اليمن ضد بريطانيا ، وفي مصر ضد أكثر من محتل ، وفي السودان وبلاد الشام وكل إقليمنا العربي تقريباً ، وأهم حقيقة نجدها في تاريخ هذه الشعوب التي تعرضت للاحتلال أن ثمن الحرية كان باهضاً ، وأنّ جماعات التحرر لم ولن تهاب الموت أو تخاف منه قط .

 

وبعيداً عن محيطنا العربي قدم الفيتناميون ليتحرروا من أمريكا مليونا قتيل وثلاثة ملايين جريح وإثناعشر مليون لاجئ لكنهم لم يتوقفوا في منتصف الطريق حتى نالوا ما أرادوا ، ورحل المحتل مثخناً بخسائره وخيباته ، وقضى "نيلسون مانديلا"  في السجن 27 عاماً وهو يناضل لتحرير شعبه من العبودية التي فرضها ذوي البشرة البيضاء الوافدين من أوربا الاستعمارية ، وفي الأخير تمكن "مانديلا" ورفاقه من اسقاط نظام الفصل العنصري واستعادة الوطن المنهوب خيراته وقراره وقوميته ، ولا يمكن أن ننسى أن "تشي جيفارا" الذي صار أيفونة النضال ضد الراسمالية الأمريكية في "كوبا" والعالم كانت خاتمتة أن دفع روحه ثمناً لدعمه حركة التحرر في "بوليفيا" التي القي القبض عليه فيها من أعداء الحرية ليتم إعدامه .

 

تلك إذن هي عادة كل الجماعات التحررية في العالم اجمع بمختلف أديانها وايدلوجياتها ، لا تقف لتبكي على من رحل في طريق الحرية ، ولا يخاف روادها الموت بل يذهبون إليه راضين مختارين لانهم يأنفون العيش أذلاء ويرفضون الاستسلام والخنوع للمحتل الذي لا تربطه بالأرض صلة فهو طارئ وهم أصيلون ، يقاومون بالرصاص والحجارة والعصي وكل ما تيسر ، المهم لديهم أن لا يألفون المحتل ولا يألفهم ، ولايتركون عينه لتنام هانئة هنية ، بل يجعلون من حياتهم ومماتهم كابوساً يؤرق لياليه ويربك نهاراته .

 

ليست "حـمـاس" الأولى من حركات التحرر التي تدفع هذا الثمن الباهظ راضية مختارة ، ولن تكون الأخيرة ، ومادام هناك غاصب أو محتل أو مستبد فسينبت أحرارٌ ومقاومون يختارون طريق العزة بما فيها من فقدٍ وأوجاعٍ وأهوال ، ويبتسمون في وجه الموت فيهابهم عدوهم أحياءً وأمواتاً ، وتتناقل الأجيال الراية حتى تتحرر الأرض وتشرق شمس الحرية بهية ساطعة تلقف ما يأفكون من ظلم وجبروت واستبداد ، وتلك سنة كونية مثلها مثل تعاقب الليل والنهار ليست مختصة بأمةٍ دون أخرى ، لكن الفارق أن إرثنا الإسلامي يقدس الشهادة ويرفع من شان الشهيد الذي تذهب روحه دفاعاً الكليات الخمس وأهمها الدين والأرض والعرض .

 

دمتم سالمين ..

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي