ما مصدر القوة وفائضها عند الحوثي والكيان الصهيوني وكيف يستخدمونه؟!

د. علي العسلي
الخميس ، ١٧ اكتوبر ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:٢٦ مساءً

الحوثي والكيان الصهيوني يمتلكان قوة، حيث يعود مصدر قوة الأول إلى انقلابه وتمرده على السلطة الشرعية، مما مكنّه من السيطرة على مقدرات المؤسسة العسكرية والأمنية للدولة اليمنية التي تراكمت خلال عقود من الزمن. بالإضافة إلى ذلك، حصل الحوثي على دعم من الإيرانيين عبر تهريب الأسلحة بالمخالفة الصريحة للقرارات الدولية.

أما الثاني، فكل قوته نابعة من دعم دول الغرب، وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، التي تتعهد بحمايته من أي اعتداء أو ملاحقة، وهي التي سمحت له بتطوير قدراته العسكرية والتكنولوجية وضمنت تفوقه على الدول المحيطة به في المنطقة.

والعصابتان، الحوثي والكيان الصهيوني تستخدمان فائض قوتهما بشكل غير متناسب، في ممارسة الطغيان وتحقيق أهداف غير مشروعة، وذلك بالمخالفة للقرارات والقوانين الدولية.

من الوهم أن يعتقد من يملك فائض قوة أنه سيتمكن من فرض الهيمنة والسيطرة؛ إذ إن استخدام هذه القوة بطريقة مفرطة يولد كراهية من العالم الإنساني، بسبب تفرده بخصائص وحشية. فالطاغي لا يردعه دين أو عقل أو قانون، وينساق وراء شهواته دون أن يبالي بمن حوله. وممارسة الطغيان باستمرار تقود في نهاية المطاف إلى الخسارة على مستوى أمن المعتدي وبيئته.

الغرور الناتج عن فائض القوة قد يدمر صاحبه ويتسبب بأضرار عميقة للمجتمعات المستهدفة ولضمير الإنسانية. يجب على العالم أن يتحد بقوة لمواجهة من يستخدمون القوة المفرطة دون مراعاة للأخلاق والقيم، وألا يبقى متفرجاً، لأن الضرر سيصل حتماً إلى المؤسسات الدولية نفسها ويدمرها إن لم يتم ردع الطغاة، الذين هم في اعتقادي أخطر من الإرهاب الذي يحاربه العالم.

العالم يعترف بأن مقاومة الاحتلال حق، فلماذا يُحرم هذا الحق على من يُدافعون عن أرضهم في فلسطين وغزة والقدس والمسجد الأقصى ولبنان، ويجرمون أفعالهم؟! وكيف يُمنح الحق للمعتدي المحتل الغاشم في الدفاع عن نفسه؟ إنها مفارقة خطيرة وازدواجية تعكس خللاً عميقاً!

 إن إقراركم بذلك قد شجع الصهاينة على ارتكاب الفظائع والجرائم والمجازر والتوسع وتهجير السكان، وتتحملون جزءاً كبيراً من المسؤولية، لأنكم أقررتم بذلك وادعيتم أن مؤسساتكم تحافظ على الأمن والسلم الدوليين، وهو ما لا نراه واقعاً! جيلنا في أي غابة يعيش؟!

الحقيقة أن فائض القوة المتوفر لدى الحوثي والكيان الصهيوني مصدره الأصلي خارجي، وليس نتيجة تراكم محلي. فائض قوة الحوثي يأتي أساساً من إيران، التي لها حساباتها ومصالحها. ولم يكن فائض القوة هذا ليتحقق لو أن دول الإقليم والأمة العربية تحسبت لخطورته ومنعته، حتى لا يصل إلى تهديد الأمن القومي لبلدانها. يستخدم الحوثي فائض القوة داخلياً في اليمن، ولما لم يتمكن من تحقيق النصر، التزم قليلاً بالهدنة، غير انه بدأ يتوجه نحو البحار والأراضي المحتلة، بهدف فرض الاعتراف به كقوة فاعلة على الأرض وسلطة أمر واقع.

يجب على دول التحالف والعالم دعم السلطة الشرعية عسكرياً واقتصادياً، وتمكينها من إنهاء الانقلاب واستعادة كل شبر في اليمن من هذه العصابة التابعة لإيران.

أما فائض القوة لدى الكيان الصهيوني، فمصدره الولايات المتحدة الأمريكية، التي زرعته ليكون رأس الحربة لها في الشرق الأوسط. يعتمد الكيان الصهيوني على الدعم الأمريكي السياسي والعسكري، بينما يعجز النظام العربي الرسمي، الذي تخلى عن موقفه التقليدي تجاه القضية الفلسطينية كقضية مركزية أولى، عن اتخاذ أي موقف مؤثر. يستخدم الكيان فائض قوته لاستعراض قوته وتخويف الآخرين في المنطقة لتمرير أجنداته من الهيمنة والسيطرة دون قتال، ويسعى لتحقيق هدفه بمحو القضية الفلسطينية من الوجود، ولفرض واقع جديد في الشرق الأوسط تحت قيادته.

إلى النظام العربي الرسمي: لماذا تخليتم عن قضيتكم المركزية "فلسطين" ؟ ولماذا سمحتم بنمو الجماعات المسلحة في بعض الدول بشكل يفوق أحياناً قدرات الجيوش الوطنية؟ تركتم الساحة، فحلّت محلكم إيران، التي أصبحت اللاعب الأساسي في المعارك والمفاوضات، وتدير هذه المعارك بأبنائنا وفي ساحاتنا العربية وعلى حسابها.

تخليكم عن الريادة سمح لإيران بالسيطرة على أربع عواصم عربية حتى الآن، وهي تدير المعارك من خلالها. فإن نجحت، ستقع المنطقة تحت نفوذها، وإن انتصر الكيان الصهيوني، ستسقط دول عربية أخرى، وستتحقق هيمنة الصهاينة من النيل إلى الفرات- لا سمح الله -، وإن أسفر الصراع الحالي عن إيجاد معادلات ردع بحكم الفعل ورد الفعل ورد رد الفعل إلى التوصل لحل...؛ فإن الحل طبيعي أنهما سيتقاسمان النفوذ، وسيبقى وطننا العربي خارج التغطية والدور والقرار.

علينا أن نشدّ على المملكة العربية السعودية، التي تقود حراكاً عربياً وإسلامياً، باتجاه الأوروبيين وأمريكا وباقي دول العالم ، للضغط من أجل إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشريف، كحق أصيل وثمن للتضحيات المقدمة.

ومن المعيب ألا نسمع من الجامعة العربية أي تحرك أو اجتماع طارئ أو حتى إصدار بيان تجاه ما يحدث في فلسطين ولبنان وسوريا.

في الختام، مطلوب من نظامنا العربي الرسمي بدوله وجامعته العربية استخدام الأوراق الفاعلة لاستعادة الدور والقيادة، وتقرير مستقبل المنطقة بما يتطلع إليه شعوبها، فالحيادية والسلبية تضر بالكراسي والأوطان.

فلتكن البداية باستعادة الموقف من فلسطين، فهي القضية المركزية الأولى، والسعي الجاد لإقامة دولتها، وأجزم أن المملكة ومن معها من الدول بتحركها قادرة على ذلك، بما تملكه الأمة من أوراق ضغط.

وعلى الدول المهرولة نحو التطبيع أن تتريث قليلًا حتى تُقام دولة فلسطين الحرّة المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشريف.

وجمعتكم مباركة..

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي