لا تقوم الدول بأدوار التوفيق، والتوسط، بين طرفي نزاع، أو التدخل المباشر لنصرة طرف من طرف، ولو بغطاء من القانون الدولي لمجرد فعل الخير لشعبٍ ما، أو لحفظ الأمن والسلم الدوليين، كما يُروج له أحياناً، بل تقوم دول المصالح عندما تشعر بخطر يهدد مصالحها القومية وأمنها الداخلي، سُحق عراق صدام حسين ذو التوجه القومي التوسعي، شعر الغرب بخطورة ذلك التوجه على مصالحهم ومصادر طاقتهم، عزز ذلك توجه الرجل لبناء قوة عسكرية، تقنيه، صناعية، نووية ضاربة، عيَّشتهم وحلفاءهم بجواره في قلق وخوف دائمين...
عندها أُغلقت كل أبواب التسوية والصلح والتوفيق بينه والقوى المعادية، اتجهت صوب الحرب لإسقاط العراق لأن بقائه بتلك القوة سيشكل تهديدًا لمصالحهم، ومهدِدًا وجودياً لذراعهم الطولى "إسرائيل" في المنطقة، حشدوا الدنيا أنساقت معهم الأمم المتحدة وأصدرت بحقه قرارات التأديب والإسقاط معًا، وتم على ذلك النحو البشع، وبذلك لم تسقط العراق أو النظام العراقي بل سقطت الأمة وكسرت بوابة الشرق العربي ودخلت الأفاعي من اتجاه..
مع أن كوريا الشمالية كانت تُصنِّع، تعد وتجهز كل أنواع القوة العسكرية والردع النووي، دون أن يحرك الغرب إزاءها ساكن، إلا خراطيش تصاريح تهويكية هنا وهناك..بات مشروع إيران النووي على الأبواب سيشكل مصدر قلق لكل المنطقة، لأنه على تخوم النفط وقريب من حبهم إسرائيل ولولا العمائم السود والتشيع البائع للمبادئ الهادم للدين والتماهي مع مشاريعهم الاستعمارية، لفُعِلَ به ما جرى للعراق..
أداروا ظهورهم لليمن وهي تنزلق في حربٍ أهليه لأسباب داخلية وخارجية قذرةٍ، حرب عديمة القيم والأخلاق، أشعلتها أطراف كان كلاً منهم يحمل في جرابه إما سهام حقدٍ، أو صكوك ولاية إلهية، أو مخاوف فقدان المصالح وحب النفوذ، أوجعوا اليمن أصابوه أدخلوه في حربٍ أهلية، إعاقةٍ لشعبٍ بدأ يطل على شرفة الدهر ويشتم نسائم الحرية، فكانت وستظل من أصعب الحروب وأقساها لأنها تختلف كليةً في بشاعتها وآثارها عن الحروب الدولية أي القائمة بين دولتين أو أكثر..
لأن التسويات في الحروب الأهلية شبه مستحيلة فلا يمكن للتسوية في اليمن أن تتم لأنها بين طرفي نقيض مذهبياً فكرياً، إيديولوجياً ونظام حكم، كان بإمكان التسوية أن تتم في زمن الخلاف مع الرئيس صالح، لأن الأطراف كانت كلها جمهورية ومتجانسة، تؤمن إلى حدٍ بعيد بالمساواة ولا يحمل أيٍ منهم فكراً سياسيًا عقائدياً سُلاليًا حاقد، ومناهض لباقي الأطراف السياسية الممثلة لأطياف الشعب، كان الخلاف حول تولي السلطة وشكل الدولة وتصحيح مسار الثورة والجمهورية..
انقسمت الأسرة اليمنية أنشقت الصفوف اقتتلوا، وقع المجتمع ضحيةً لخديعةٍ كبرى تخفت تحت عباءة الجمهورية، لأن فكرة الحوثية تتصادم مع مقتضيات بُنى الدولة مع قيم الدولة في العصر الحديث، تتأبط مسودات تاريخية عقائدية تحت أزغانها، مليئةً بالسادية النازية والثأر المخيف، ملتحفةً بهرطقات المظلومية والحق الالهي المزيف، أضف إلى اعتقاد خدمها عكفتها بأحقية حصرية ومطلقة في الحكم، ومن آمن بخلاف ما تعتقد، ناهضها أو دعا إلى مشاركتها اعتُبِر معادي لإرادة السماء، مُنكرًا للحق الإلهي كافر مستحق القتل والدمار الشامل له والأهله..
ذلك ما سيجعل الحرب الأهلية الدائرة دائمة، ولن تنتهي وإن اكتست صلحًا أو هدنة ترقيعية، ولا يمكن لها أن تتحول إلى شريك في سلطة أو نظام حكم الحسم بحقها واجب، ما فعله الجيش السواداني ضد ميليشيا رعاة الإبل خير دليل..
آمن الشعب اليمني بالنظام الجمهوري بشكلٍ مطلق لأنه انصفه من ظلامات الظلم وتأسس على مبادئ العدل والمساواة وعدم التيميز بين الطبقات على أي أساس عرقي، جهوي أو طائفي، ممثلاً بكل أطيافه وأحزابه السياسية والفكرية..
ومن ثم فالوقوف مع ميليشيا على صعيد واحد للتسوية السياسية، وتسليم السلاح، ونسيان الماضي والأمان من ثأر الانتقام مستحيل، سيُطلب منها التخلي التام عن السلاح ووسائل الدفاع الاحتياطية الظاهرة والخفية وذلك مستحيل، لقد أشعلوا أحقاد الناس، ولإدراكهم أنهم سيدخلوا في مرحلة من الضعف الشديد لن تضمن عدم انفجار الشعب ضدهم.. ولن تتخلى إيران بسهولة عن جبهة تحارب منها خصومها وتخزن فيها سلاحها وتحقق أهدافها بعيدًا عن أراضيها ودمار شعبها وتسيطر على مملكة المضايق والبحار.
ستستمر حربنا الأهلية لأنهم أي الإماميون أصيبوا بداء إدمان الحروب الدامية، ولن تهدينا إلى السلام دولة ولن يدعمنا نظام، وضعت أمريكا يدها على منابع النفط العراقي، وسلَّمت العراق شعبًا وأرض لعبث لإيران، تدمره كيف تشاء، والكثير من دول الغرب لا يهمها سوى المصالح، شعوب أفريقيا تغرق في الفقر وثرواتها من الذهب والماس والنفط والغاز تذهب إلى بنوك الغرب، تُنتهب دون رادعٍ من عقل أو صحوةٍ من ضمير..ختاماً الحل يمني والحسم يمني والحكم يمني وجراحنا يمنيةً لن يداويها سوانا أحد..
-->