هامانات تعز وصناعة الفرعنة 

د. محمد شداد
الاربعاء ، ١٦ اكتوبر ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٥٤ مساءً

 

لكل بلد هاماناتها في بناء الفراعنة ولتعز هاماناتها العابرون منذ مؤتمر العماقي في اكتوبر عام 1918م قبيل الغزو الإمامي الأول لإقليم الجند بعد رحيل العثمانيين عن اليمن وحتى الساعة.. 

فأينما اتجه الرحال وجد أمامه تعز ترحل معه، أو تستقبله أو تودعه أو تقدم له خدمة، تجدها في المدينة والجامعة والوزارة في البنك والمتجر في المصنع والمدرسة في العيادة والمشفى، تجدها في الورشة والمصنع، بين تقاسيم نقش المباني بالأحجار الملونة، وعلى الرفوف المزخرفة، تجدها داخل الكتب والصحف والمكتبات، تجدها في مقدمة الثورة الوطنية والسلم الحاقن للدماء تجدها في كل معلم ومكان.

 

المكان المحرم عليها مذهبياً ومناطقياً والذي لا تتواجد فيه هو كرسي السلطة، سيقول قائل هاهو العليمي رئيساً ومعين وزيراً وذاك محافظ وذاك رئيساً لمجلس النواب، سأقول مع احترامي وشديد الأسى والأسف هامانات "موديرن" من نوعٍ مختلف ماذا قدموا لمسقط راسهم وحاضرتهم العلمية والمعرفية تعز؟ وهي تئن وتنزف طيلة سنين وأقولها علانيةً، ولولا عبد ربه لما وصل العليمي للرآسة، لأنها وفي معتقد العجوز حصرياً على السلالة أو أتباعها العكفة، حكرًا على المذهب أرباً وأتباع دراويش أو بهاليل.

 

ولولا العليمي لما وصل الفريق محسن الداعري إلى وزارة الدفاع، لأنها ورآسة الأركان حصريةً عليهم قادة المناطق والألوية منذ قيام ثورة 26 من سبتمبر ثورة الإنسان والإنسانية حتى الثورة الشبابية إلى نشوب الحرب اليمنية الراهنة ومأرب لازالت تشهد..

 

سيقول قائل عبد العزيز عبدالغني كان.. كان موظفاً ليس إلا، لم يكن شيئاً لم ترتفع سماعة تلفونه لمساعدة أو دعم أو انتصاف لمظلوم من بلاده أو من تعز عموماً، الحاضرة التي ينتمي إليها طيلة حياته السياسية الممتدة، ورفقة كل الرؤساء الذين رافقهم وليس ذلك فحسب مات محقوناً بحقنة الموت ممن اشتغل معهم هاماناً مخلصاً لعقود..

 

 

أُريد للصندوق الأسود أن يموت بأسراره، لأنه حضر كل مآدب الغداء والعشاء واتهم بخنوعه وانسياقه وانحنائه لحامل العصى والعمامة والصوط، في المقابل قد يكون رئيس حراسة الشيخ أو قائد كتيبة حراسة الفندم أجرأ منه وأقدر على المساعدة والتوسط واتخاذ القرار، كان هاماناً منحني ليس تجني بل سيكتب التاريخ ما يستحقه الناس جماعات ومواقف..

 

 

قامت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر كان لتعز فيها قدحاً معلى، وبعد انتهاء حصار السبعين وانفجار أحداث أغسطس 1968م بين رفقاء السلاح شباباً صمدوا وهاربين عادوا، وقف هامانات تعز ضدهم ولم يشكلوا لهم غطاءً سياسياً وتسوية الصراع تسويةً دائمة وعادلة..

 

تحت مبرر الحزبية، وهم هم من ثار وأخلص وحمل السلاح وقال إما الثورة أو الموت، خذلوهم لأن أولئك كانوا أنصافاً وهؤلاء كوامل، كانوا ثواراً بالكلية بالمطلق حملوا فكرة ثوريةً جذرية وشاملة، ضد الكيانات التقليدية بواقي الإمامة وكهنوت الشيخ والمشعوذ، وسلطة القبيلة المسترزقة من الأحداث، منذ دخول الرسي باستدعاء كافر من بني فطيمة في صعدة إلى آخر اقتحام لصنعاء من قبل العمائم والعصي والقسي والشيلان والبيادق والبنادق..

 

خرج في آخرها وعند تدحرج كرة النار باتجاهها، المدرسين والطلاب من الجامعات والمدارس والموظفين وعمال المصانع والباعة على أرصفة الشوارع، قفز القائد الشجاع عدنان الحمادي من منصب التدريب إلى قمة قيادة المعركة، شكَّل أسطورةً في الدفاع والتخطيط في القيادة والنزاهة والصمود ، كان مثالاً هو ورفيقه العوني للقادة أصحاب القدرات، المحرومين من القيادة والبناء حتى استدعاهم شرف المقاومة كسروا مفهوم الجُبن والخوف الذي أُلصق بتعز وهم مشاعل الثورة شمالاً وجنوب..

 

خرجت تعز عن بكرة أبيها ووقفت للدفاع عن الشرف والكرامة، حينما توزعت الأطقم الحوثفاشية المتسللة من طور الباحة، بعد السقوط توزعت في مفاصل الشوارع، تأهباً للقبض على كل من ثار وخرج لساحات الشباب الثورية، لانتهاك حرمات البيوت للانتقام المتوحش، لكسر الأرواح والهمم، لقتل المقاتلين وهيانة الخانعين وانتهاب أموال كل من ساهم أو دعم في وقت كان هاماناتها يوقعون على صكوك البيع واستلام الثمن واستقاء بواقي شراب الكؤوس...

 

أحاطها الحقد المدجج بالسلاح الثقيل، والطمع المعزز بالسلاح الخفيف، والتآمر المثخن بجراحات الحقد، أحاطها الذئاب من كل جانب ومعهم هاماناتها، الدراويش وحملة المباخر والندالين، المثقف الانتهازي والحزبي البائع لمبادئه، المتنكر لتاريخ قادته ولجدارن السجون اللعينة التي أكلت أرواح رفاقه أكلت في جنباتها سياط التعذيب وبرك الملح أحشائهم والجلود..

 

ولكلِ مرحلة هاماناتها لصناعة الفرعنة، وزامريها وقارعي الطبول للرقص والعزف على أنين الجراح، باتوا اليوم أشكالاً وألوان بحسب الامنية المدفوعة بحسب الطلب، باتت صناعة فرعون الساحل آخرها ورغاب البحر المسلح بسلاح الغير، والحامل لجراب الخطايا، الذين كان مشروعهم اقنصوهم، انسفوهم واسحقوهم، هاتوهم إلينا مكبلين هم الرعية والرعاة، قولهم كونوا أتباعاً وكُتاباً وأقلاماً ومزارعين مستبطن، وإن ظهر خلافه، ليس من حقهم القيادة وحمل السلاح، هم المبنطلين ليس لهم باحتراف الدفاع هم لب...له ليس لهم من الأمر شيء، مبدأ ثابت ومتفق عليه يختلفون في كل شيء إلا في ذلك لكن هيهات..

 

الحزن كله والأسى مجتمع لأن الرسالة بعد كل هذا لم تصل ولم تستقر في مخيال هامانات اليوم صُنَّاع الفرعنة والعيش على فتات بيع الوهم على المواقع الصحفية، كُسرت الأقلام وأحرقت الصحف التي ليس لها إلا ما لها وللشيطان ولهامان وفرعون وللوطن الموت.

ختاماً لابد من رواية قصة هامان الصانع للفرعنة علها تصل الرسالة..

 

بينما كان فرعون يدَّعي الربوبية كان هامانه يكذب ويدلس على الخلق كي يصدقوه، في يوم من الأيام دخل فرعون دهليزه أدعى أنه قد تفرغ لخلق الإبل!!، فإذا بهامان يأتى لزيارته منعه الحاجب من مقابلته لانشغاله حسب ادعائه بخلق الإبل، فقال هامان قولته المشهورة "على هامان يا فرعون" فأصبحت جملته مثلا يضرب إلى قيام الساعة، أي أن ما يُخفي هاماناتك يا تعز على بعض الناس من أمر صناعة الفرعنة لن يخفى على رجالك وعقلائك يا حاضرة اليمن موطن الثورة والمقاومة..

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي