الطبقية والظلم السياسي في اليمن

د. محمد شداد
الجمعة ، ٠٤ اكتوبر ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:١١ مساءً

 

درجت الطبيعة الإنسانية على تصنيف البشر إلى أجناس، طبقات، أعراق وقدرات علمية وثقافية واجتماعية، وهذه ظاهرة بالإمكان التعامل معها مع وجود ثقافة الاحترام المتبادل بين الناس وفقاً للقوانين التي تساوي بينهم كبشر، وتحافظ على الحقوق الإنسانية للكل دون تمييز..

 

تكمن الكارثة في ثقافة التمايز الذي ترافقها معتقدات دينية وتسندها قوانين ترافقها قوة قاهرة لفرض التمايز وغمط البعض لحق البعض ىالآخر، على أساس عرقي طبقي اجتماعي وحتى سياسي جهوي أو مذهبي فتعيش طبقة على حساب طبقة، مع غياب ثقافة الحق في المساواة وعدم التمايز على أي أساس..

 

اشتكى المجتمع اليمني من الطبقية، العرقية، والمذهبية لعقود طوال، خلقت الصراع الطبقي الذي أدى بدوره إلى هدم البنى الثقافية والتاريخية والاقتصادية للمجتمع اليمني، كانت نتيجة حتمية للحروب التي أشعلتها تلك المعتقدات والتي لا زال المجتمع يئن ويتوجع من آثارها حتى الساعة..

 

 كانت تلك المفاهيم قد بدأت تتوارى بعد قيام ثورة 26 سبتمبر وبدأت بالتراجع والانحسار، وبدأ التعايش المجتمعي والقبول بالآخر والتصاهر واختلاط المصالح تدب في حياة الناس، وبدأت مفاهيم الوظيفة العامة والالتحاق بمؤسستي الأمن والجيش وفرص الالتحاق بها تتساوى نسبيًا، كما أثرت الحزبية إيجاباً على تولي المناصب على أساس القدرة والكفاءة غير أنها لم تزول كليةً، إذ لا زالت تظهر النعرات من حين لآخر حتى مع وجود القوانين الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، والمنظمات الدولية المعنية بتطبيق تلك القوانين..

  ظلت اليمن مثقلة الكاهل بذلك الإرث التاريخي الهدَّام، وبثقافة تمايزات بشرية قاسية قسَّمت المجتمع إلى طبقات كرسته الإمامة الهاشمية السلالية، وكرسه الجتمع بدوره على بعضه، تعالت شريحة الهاشمية ووضعت نفسها على قائمة ذلك السلم الاجتماعي البشع، فاحتقرت اليمنين برمتهم بما فيها طبقة القضاة التي جعلتها بالمرتبة الثانية لها، حلقة تنفيذية لتعاليم الإمامة وتعميق ظلمهم ضد الطبقات التي تليها، فتعالت هي بدورها على طبقة الفقهاء التي أتت وفقًا للسلم ذاته في المرتبة الثالثة أي طبقة الفقهاء ككتاب ومحدثين وحملة للمباخر..

 ومن خرج من علماء اليمن عن دئرتهم متحررًا ناقدًا لظلم الإمامة، لوحِقَ وهُمش وشُوهت سيرته وشُككَ بعلمه وإيمانه وهم كُثُر، عملت طبقة الفقاء على توزيع صكوك القداسة ونشر تاريخ الأفضلية العرقية المدعومة بمقولات تأولها ولوى عنقها بعض الهاشميين المدعين بتلك الحقوق!!

 

 فتعالت أي طبقة الفقها على القبائل الزيدية التي أشعرتها الإمامة بأنهم حزبها السياسي المقرب والموثوق بها بحكم المذهب وتشيعم لها وإيمانهم بحقها المزعوم في الحكم، فعسكرتهم بالمجان وانطلت عليهم صفة البأس والشجاعة في الحروب، ولم تعتبرهم حتى جيشًا نظاميًا برواتب شهرية ثابتة، بل مجاميع بشرية احتياطية تعمل بالمجان! بعد أن دمرت رحى الحروب اللامتناهية مداخيلها الاقتصادية بين أجنحة الإمامة المتصارعة التي لم ولن تنتهي..

 

  فاستحلوا بفتاواهم نهب الخصوم واستخدام العنف للسطو على أموال طبقة المنتجين الفلاحين والصنائعيين والمغتربين كطبقة اجتماعية رابعة بفتاوى فاحشة من كهنة الإمامة أهمها ما ورد في كتاب" إرشاد السامع، في جواز أخذ أموال الشوافع"، للكاهن المطهر اسماعيل" وأكد ذلك الباحث التاريخي عنتر الذيفاني من خلال قراءته التاريخية "أنهم كانوا ينهبون كل شئ حتى الأخراص النسائية يقطعون أذن المرأة لخلع الأخراض"..

  سلوكيات منحرفة واضطهاد اجتماعي امتد إلى عهد كارثة الحوثي الذي أباح بفتوى سرية أموال وبيوت اليمنيين من الخصوم السياسيين والتجار والعلماء وتركها نهباً للسوقة والجفلة من عساكره ومشايعيه، عبارة فلتت من عبدالملك الحوثي للناشط علي البخيتي عند محاولة دفاعه عن حقوق الناس ومنازل أسرهم بعد السقوط، بحجة أنها أموال الفاسدين..  

فمارسوا تعاليهم على الطبقة الاقتصادية والزراعية المنتجة واعتقدوا بحقهم الإلهي بتوارث الحق في السلطة ومارسوا ضدهم الظلم والإجتماعي وتهميش المشاركة في اتخاذ القرار بعد أن غدا أبناء الرعية عصب وروح ثورة 26 من سبتمبر حتى انتصارها لكنهم تعمدًا أُقصوا..

 

ما يريد الكاتب التوصل إليه أن الطبقات المتعالية جميعها مارست الظلم ضد بعضها وضد الطبقات التي تليها والظلم الإجتماعي الأكثر فحشًا مورس ضد الطبقة التي أطلق عليها مسمى الرعية، المزاينة، الدواشن والجزارين والأخدام، وهم يمنيون سبأيون عرب أقحاح شاركوا في خدمة المجتمع بما امتلكوه من حرف ولولا تلك الطبقية الموهومة، لمارسها البعض من عامة الناس كباقي المجتمعات العربية والإنسانية ولما ظهر التمايز لأن الأكرم في المجتمعات هم خدامه وموظفيه الذين يؤدون الواجب الوطني في شتى قطاعاته الاقتصادية السياسية والأمنية والعسكرية..

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي