جمال حيدرة : وداعا أستاذنا حسن عبد الوارث.. لم تعد في قائمة الإنتظار

كتب
الخميس ، ٢٦ سبتمبر ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:٥٥ صباحاً

 منذ أن جاء نبأ وفاة الصحفي والكاتب والمفكر القدير الأستاذ حسن عبد الوارث والحزن يحتشد من اقصاي إلى اقصاي، حزن يكبر كل ثانية دون قدرة على كبح جماحه، أو حتى تحديد نقطة تجمعه، فيما يتشكل الوجع ككتل خرسانية أغلقت كل منافذ التصديق بأمر وفاته، أتساءل أي حزن هذا الذي اجتاح كياني على راحل لم تربطني به صلة قرابة، أو حتى صداقة وثيقة، اعتصر ذاكرتي عصرا لعلي أجد موقفا أو لقاءا جمعني به يمكن أن يفسر ما أنا فيه، ولا أجد سوى رسالة حملها الراحل، وآمن بها حتى آخر اللحظات من عمره، رسالة الصحفي والكاتب والأديب والمفكرالذي سرت العادة أن يغادر الحياة فقيرا ومتوجعا بالكثير من الخيبات والخذلان.الفقر بمفهوم عصر المادة الرخيصة، وليس بمفهوم حصيلة العطاء والتميز، الفقر بمقياس ما تكتنزه الجيوب، وليس ما تكنتزه العقول، ذلك أن الراحل غني بما تركه من إرث صحفي وثقافي وتنويري، وبما تحلى به من قيم ومبادئ وطنية وإنسانية نبيلة، أشعر أن الموت نفسه قد انحاز إلى عالم المادة، وبات واحدا من أذرعتها الفتاكة، شعور يتعزز عقب كل فاجعة تخطف نبيلا قبل أوان الموت.وهذا ليس شركا وليس له علاقة بالإيمان من عدمه، ولكنه عتب على وطن غير عادل في توزيع الأحزان، عتب على وطن يعيش فيه الشرفاء والصادقون غرباء ويموتون غرباء، وطن كريم على اللصوص والقتلة والتافهين، بخيل على الوطنيين والأفياء والمخلصين، وطن اضطر الفقيد نفسه على عرض مكتبته الثمينة للبيع، لتلبية متطلبات حياة رخيصة جدا.  قبل عامين تماما نشر الفقيد حسن عبد الوارث مقالا وداعيا لأحد زملائه تحت عنوان "موت قيد الانتظار" كان رثاءا نبيلا للكاتب نفسه، رثاءا لكل من سبقوه ومن هم على قائمة الانتظار في بلد وصفه بالمقبرة.قال في مطلعه" لازالت قافلة الزملاء والأصدقاء تتنازل عن أثقالها يوماً إثر يوم ، في مشهدٍ لا أدري إذا كان يدعو إلى البكاء أم التأمُّل !فهاهم الأصدقاء والزملاء يتقاطرون - في عَجَلةٍ عجيبة - الى حديقة الموت، بعضهم عن مرض .. وبعضهم عن وَهَن .. وبعضهم عن وطن، وفي معظم الحالات ، أتراهم لا يجدون الوقت للسلام الأخير والوداع الكسير .ولن يكون الفقيد العزيز محسن يسلم - الذي غادرنا موجوعاً قبل أيام قليلة - آخرهم على الإطلاق، فجأة ، أجدني وقد وقفتُ عند عتبة بوابة الستين . هذا الرقم الذي صار يشير إلى قُرْب احتضان عروس الموت في هذا البلد – المقبرة"انتهى الاقتباس ومعه انتهى الكلام، فكيف يمكن أن نرثي نبيلا رثانا جميعا قبل موته، وما من كلام يتسطيع أن يفي الراحل حقه، فقط نكرر العتب على وطن يعيش بداخلنا، ولا نعيش فيه، يعذبنا قادته وينكرنا حكامه ولا نستطيع إلا أن نحبه، ونقدس كل ذرة من رماله.أتذكر الأن ما كتبه الراحل حسن عبد الوارث عن صديقه وزميله الفقيد صالح الحميدي، فبينما كنت أجمع كل المراثي والرسائل الوداعية لعدد كبير من زملاء  وأصدقاء صالح، وقفت مطولا أمام مرثية الأستاذ حسن عبد الوارث، كانت عبارة عن دفق من الحب والوفاء.ومما جاء فيها " يموت الكثيرون كل يوم غير أنّ قليلين هم الذين يؤثر موتهم لدى كثيرين وليس أقاربهم فقط، ويغرس رحيلهم شتلات حزن وأسى لا تذبل ولا تُنسى. هؤلاء الأشخاص أيضاً يحفرون في القلوب آبار فرح وبهجة وسلام تتدفق منها شلالات حب وطمأنينة ووئام على مدار الأيام، من هؤلاء بل أبرزهم وأجملهم شخص عرفته وزاملته وصادقته وأحببته كما -حدث لكثيرين غيري- يدعى صالح الحميدي رحمة الله عليه رحمة واسعة وبلا حدود. ولأنه ليس لي أشقاء ذكور فقد كنت أرى صالحاً شقيقي الحقيقي الذي كان واحداً من قلة قليلة لطالما أحببت أن يكونوا أشقائي ولو اختلفت أسماء آباءنا وتباينت هوياتنا ومساقط رؤوسنا"لربما هذه الجزئية من مرثية الفقيد حسن عبد الوارث لها علاقة بالحزن الذي أعيشه الأن، ذلك أن حبه العارم لصالح قد تسرب إلى قلبي، ومنح مشاعري تبريرا كاملا في البكاء عليه، وكيف لا نبكي فقيدا بكل هذا الحب والوفاء والبهاء، بكل ما خلفه من تاريخ حافلا بالتميز والعطاء والوطنية.   وداعا أستاذنا حسن عبد الوارث وتحياتنا لصالح وكل الأعزاء، ولكم جميعا الرحمة والخلود والسلام والطمأنينة. جمال حيدرة- 26 أيلول 2024

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي