معالجة علل الأمة

د. عبده مغلس
الاثنين ، ٠٥ أغسطس ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٢٦ مساءً

أي مدخلات للحاسوب تعطيك مخرجات تتسق معها وتعتمد عليها، فالمدخلات الصحيحة والدقيقة تعطيك مخرجات صحيحة ودقيقة والعكس، والقرارات التي تعتمد على مدخلات صائبة تكون صائبة، والمرض له خلل مسبب، وأعراض تَنْتُج عن هذا الخلل، فمعالجة الأعراض لا تقضي على المرض، هذه حقائق علمية وطبية ومنطقية، أشار إليها كتاب وحي الله بمسؤلية السمع والبصر والفؤاد عن قرارات الإنسان.

مُصلحي الأمة الذين حاولوا معالجة عللها طوال القرون، اعتمدوا على مدخلات مغلوطة، ومحاولة معالجة الأعراض لا الداء نفسه، فكانت نتائجها مغلوطة وغير مُجدية، ولم يمتلكوا الجرأة لتحديد مكمن الداء في هجر كتاب وحي الله، فبقيت الأمة تعاني من نفس العلل التي أخرجتها من دورها وريادتها، والواقع الذي نحن شهدائه وشاهديه دليل على ذلك.

مأساتنا وحروبنا في اليمن، والعالم العربي والإسلامي، مرويات فقه الإمامة والتطرف والإرهاب، والتي لا أصل لها في كتاب دين الله. 

إن معالجة العلة تستوجب معالجة أصلها لا أعراضها، بدون هذه المنهجية لن تتم معالجة أسباب هوان الأمة وتمزقها.

فما عانته الأمة في ماضيها، وتعانيه في حاضرها، بكل دولها وشعوبها، جذر علته واحد، هو هجر الأمة لكتاب ربها، وإعراضها عن ذكره، وخروجها عن صراطه المستقيم، واستبداله بكتب البشر، وهذا بالقطع أدى لمعيشة الضنك والتخلف والهوان، وهو نتيجة حتمية ربانية ومنطقية وعلمية لخيارها.

بكتاب وحي الله وحده لا غيره، تمت صياغة أمة التوحيد، وبنت دولتها وحضارتها بنموذجها الرسالي في المدينة، وتحول العرب من حالتهم المزرية إلى عظماء صنعوا التاريخ، باتباعهم منهج كتاب الوحي لا سواه.

هذا الهجر لكتاب الوحي ومنهجه، أوجد لنا كتب ومناهج شتى، تَوَزعنا بموجبها لمذاهب مختلفة ومتحاربة، والجميع يعرفون بأن المذهب رأي لا دين، ولم يقل صاحب أي مذهب أن مذهبه دين، ومع ذلك تحولت المذاهب لأديان يتعبد بها أتباعها، وأصبحت مساجد الله يدعى بها غير الله كما في الحسينيات وغيرها، ولولا تمزق الأمة لمذاهب وفرق خارج دين الله، لما كانت الخلافات والكراهية والحروب تسحق الأمة، ولما استباح اعداء الأمة دولها وأرضها وقتلوا وَهَجَّرُوا شعوبها.

كل ما تعانية الأمة أعراض لمرض هجر القرآن، والتفرق المذهبي، الذي حول دين الله الواحد، لأديان المذاهب، وبهذا الهجر والتشتت تمكن اعدائها منها، ولا يمكن للأمة أن تستعيد دورها وريادتها، وأرضها المسلوبة، دون مواجهة التمذهب، ودون معالجة علة التفرق المذهبي والطائفي، الذي أنتجته مرويات الفقه المغلوط، والعمل على إعادة تدفق دين الحق الصافي، والموجود في كتاب وحي الله، وهو الذي صنعت به الأمة وجودها ودولتها وريادتها وحضارتها وأقامت به شهادتها على الناس.

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي